تعتبر قضية محاربة الارهاب من اهم القضايا التي تصنفها الحكومات الاوروبية بانها اولوية وترتبط كيفية إدارتها، تنظيمها وحلها ارتباطاً مباشرة بالامن القومي الاوروبي. تابعت في باريس الاسبوع الماضي أعمال إجتماع وزراء داخلية مجموعة الست الأوروبية لمحاربة الارهاب والذي شارك به أيضاً وزير داخلية تركيا. إذاً، تترأس عملية مكافحة الارهاب أولوية الملفات التي تُناقش في غرف القرار السياسي الغربي ولكن لا نتائج مهمة تذكر حتى الان. عملياً لم يحقق الإجتماع الباريسي ( كغيره من الاجتماعات ) اي إنجازات ولم يتخذ قرارات تاريخية على صعيد مواجهة الارهاب. ضمن هذا الاطار، لا بد من القول انه لا يمكن الاعتماد فقط على التجربة الاميركية في العراق وأفغانستان التي فشلت في القضاء على الارهاب ( الاميريكي الصنع ) الذي تزايد، تعددت أشكاله وتنوعت فرقه. لا تقتصر محاربة الارهاب على الاعمال العسكرية بل لا بد اولاً من توضيح حقيقة الامر في فضح من يدعم ويمول الارهاب. تتمثل الخطوات اللاحقة في وضع خطة عمل لمحاربة الارهاب إعلامياً، مالياً وفكرياً. تلعب تركيا الدور الأخطر في قضية الارهاب. تقوم السياسة التركية اليوم على المراهنة بإسقاط الدولة السورية من خلال تعزيز عمل " داعش " في الاراضي السورية. تستمر أنقرة في دعم وتمويل الارهاب في سوريا. لم يشهد تدفق الإرهابيين الى سوريا من الاراضي التركية اي تراجع بالعكس، يتدفق الإرهابيين بعدل الف مقاتل شهرياً عبر الحدود التركية. كل ذلك في ظل صمت أوروبي وتقصير أممي. إن توضيح حقيقة الامور يكمن في توجيه الإتهامات، فرض العقوبات الاقتصادية وتقييد حرية الانتقال من والى تركيا. في الواقع بدأ الاعلام الغربي بطرح الأسئلة حول الدور التركي خصوصاً بعد ازمة عين العرب كوباني . سعت تركيا من خلال السماح للبشمركة بالدخول الى كوباني ومحاربة " داعش " الى إيهام الراي العام الغربي بان تحولاً تركيا قد حصل. يذهب جوناسن جانيرو في مقاله " حان وقت طرد تركيا من الناتو ؟" الى حد المطالبة بضرورة " طرد تركيا من حلف الأطلسي " لانها " ليست حليفاً يمكن الاعتماد عليه " (9 اوكتوبر 2014 – Politico Magazine ) ضمن ذات السياق ينتقد ارناد لوبارمنتير في صحيفة اللومند الفرنسية ( 6 نوفمبر 2014 العدد 21711) سياسة اردوغان في الشرق الاوسط معتبراً انه " أصبح أسير إسلاميته في الخارج وأسير سلطويته في الداخل ". لا تقل خطورة ما يجري في العالم العربي عن خطورة ما سيحدث في اوروبا اذا استمرت هذه الاخيرة بلعب دور التابع للولايات المتحدةالامريكية. ان الترابط التاريخي، القرب الجغرافي والانسجام التاريخي بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط يجعلا من أوروبا محطة قادمة للإرهاب خصوصاً بعد تنامي عدد الإرهابيين الأوروبيين الذين يقاتلون في سوريا وليبيا. ان تدهور الوضع الأمني في ليبيا، تنامي العمليات الإرهابية لجبهة "بيت المقدس" في سيناء واستمرار استنزاف الدولة السورية والعراقية، يفرض كل ذلك على أوروبا ضرورة التدخل السريع اولاً للعب دور حيادي وموضوعي، ثانياً وضع حد للدور التركي في تنامي ظاهرة الفوضى الإقليمية . في المحصلة، اي استراتجية غربية لمحاربة الارهاب من دون تحجيم تركيا ومن دون إشراك سوريا، إيران وروسيا ستكون مجرد كلمات على ورق ستمحيها دماء الأوربيين المقطوعة رؤوسهم على آيادي "داعش".