صلاح الدين: المنظمة بريئة.. والدول النامية "نايمة فى العسل" العمروسى: الخضوع لسياساتها الإجبارية وراء تدهور الاقتصاد المصرى اتفاقية الجات هى المعاهدة الدولية التى تحرر التجارة فى السلع بين الأطراف المتعاقدة من القيود الجمركية،وتتيح لهم التفاوض التجارى فى ظل مناخ يتسم بحرية التجارة، وبلغ عدد المتعاقدين 117 دولة فى أوائل عام 1994، ويستفيد من هذه المبادئ الدول القوية الغنية صاحبة فكرة الجات على حساب الدول النامية الفقيرة، وهذا ما أشارت له احصائية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التابعة للأمم المتحدة حيث ورد بها أن أرباح المجموعة الأوروبية 61 مليار دولار سنويا، فيما تقدر أرباح الولاياتالمتحدةالأمريكية ب36 مليار دولار سنويا، وبصفة عامة تقدر إجمالي مكاسب الدول الغنية بين 200 300 مليار دولار سنويا اعتبارا من سنة 2002، وهذا سيكون علي حساب الدول النامية الفقيرة التي لا تستطيع المنافسة في إنتاج السلع وتقديم الخدمات، ولا توجد سلبيات لاتفاقية الجات علي الدول الغنية. قال صلاح الدين فهمى، رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الازهر، إن اتفاقية الجات هى عبارة عن معاهدة دولية الهدف منها تنظيم عملية المبادلات التجارية بين الدول الموقعة عليها، كما أن فكرة قيام منظمة التجارة الدولية كانت قد طرحت ضمن مداولات مؤتمر "بريتون وودز" الذي أقر قيام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وقد وقفت الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد قيام هذه المنظمة بحجة أنها يمكن أن تنازع الكونغرس الأمريكي صلاحياته في توجيه التجارة الخارجية، و كبديل لهذه الفكرة، قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية باتخاذ الترتيبات اللازمة ودعت إلى مؤتمر دولي في جنيف عام 1947 للمداولة حول التجارة الدولية، وفي هذا المؤتمر تم التوقيع على الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة التي اشتملت على المبادئ والأسس والقواعد التي تحكم النظام التجاري العالمي الجديد لمرحلة بعد الحرب. وأضاف فهمى، أن الاتفاقية بدأت الجولة الأولى لها بجنيف عام 1947 بتوقيع 23 دوله، وكان الهدف الأساسي من الجات هو تحرير التجارة الدولية وتوطيد دعائم نظام تجاري عالمي يقوم على اقتصاد الأسواق الحرة والمفتوحة، وبناء على هذا فقد كان يفرض على كل دولة تنضم إلى الجات أن تلتزم بالسعي الجاد والمستمر والتدريجي بإزالة كافة الحواجز المفروضة على تجارتها الخارجية تصديرا واستيرادا، وكان الغرض هو العمل على إلغاء القيود الجمركية على التجارة الدولية والاستمرار في إجراء مفاوضات متعددة الأطراف بصفة دورية لتحقيق هذا الغرض، وفي العنصر الموالي سوف نتطرق إلى كل جولة على حدة. وأوضح فهمى، أن الجولة الثانية فى فرنسا عام 1949، وتعتبر من الناحية العلمية أول جولة للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف في إطار اتفاقية الجات. وأشار فهمى، إلى الجولة الثالثة فى إنجلترا عام 1950 وشاركت في هذه الجولة 47 دولة، وقد دارت في نفس الإطار للجولات السابقة وهو السعي لتحقيق المزيد من التنازلات في ضرائب الاستيراد، فيما انخفض عدد الدول فى الجولة الرابعة عام 1954، والخامسة عام 1960، إلى 27 دولة، كما أنه يمكن تصنيف هذه الجولات الخمس في مجموعة واحدة، لأنها دارت كلها في إطار نصوص الاتفاقية الأصلية، وتركزت جميعا في تحقيق المزيد من التخفيضات في التعريفات الجمركية بين الأطراف المتعاقدة فيما يخص التجارة بالسلع. وأكد فهمى: الفترة الثانية عام 1972 تشمل جولتين من المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف، وهي تبدأ مع نهاية أعمال الجولة الخامسة وتستمر حتى نهاية الجولة السابعة إلى ما قبل جولة أورجواي التاريخية، وعقدت الجولة السادسة بجنيف بدعوى من الرئيس جون كيندى، عام 1962، في رسالة عرضها على الكونغرس والتي تم على إثرها منح الرئيس الأمريكي سلطة إجراء المفاوضات التجارية لتوسيع نطاق التجارة عن طريق منحه صلاحية خفض التعريفات الجمركية بمقدار 50٪ على جميع السلع، فيما بلغ عدد الدول فى الجولة السابعة إلى 102 دولة عام 1973، وكان الهدف الأساسي الذي تناولته هذه الجولة هو القيود غير الجمركية، حيث لوحظ أنه على الرغم من أن الرسوم الجمركية بدأت في الانخفاض على السلع المصنعة إلا أن القيود غير الجمركية بدأت في التزايد، مما تسبب في إلغاء بعض المزايا التي تحققت من التخفيض الذي تم في الرسوم الجمركية. وأضاف فهمى، خلال الفترة منذ عام 1979 إلى عام 1993 شهدت أعمال الجولة الثامنه والأخيرة قبل نشوء منظمة التجارة العالمية وهى جولة الأورجواي، وتعد من جولات الجات إلا أنها كانت أكثر الجولات تعقيدا وتأزما، وقد تأخرت أربع سنوات، حيث كان من المقرر أن تنطلق في 1982 ولكنها لم تبدأ إلا في 20 سبتمبر1986، وتشمل توسعا أكثر نطاقا من سابقاتها نظرا لامتدادها لقطاعات جديدة لم تكن مشمولة في جولات المحادثات السابقة، وقد جاءت هذه الدورة في ظروف اقتصادية حاسمة، كما أنها سعت لرسم معالم القرن الواحد و العشرين، وكان الهدف من هذه الجولة تحقيق بعض الأهداف الأساسية منها تخفيض القيود غير الجمركية وتحرير الخدمات بالإضافة الى التجارة السلعية، وتم تحديد التعريفة الجمركية والمنتجات الاستوائية والمنتجات الأولية والملابس والمتجات الزراعية والإعانات والرسوم الجمركية. وتابع فهمى، أن مفاوضات الأروجواى بدأت مرة أخرى خلال فترة 1991 إلى عام 1994، ومن أبرز نتائجها، إنشاء منظمة التجارة العالمية كمؤسسة دولية تشرف على تطبيق اتفاقيات الجات، وتضع الأسس للتعاون بينها وبين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بهدف تنسيق السياسات التجارية والمالية والاقتصادية للدول الأعضاء، وتحسين ودعم المنظومة القانونية بشأن الإجراءات المعيقة للتجارة، وتعزيز خطوات تحرير التجارة من خلال المزيد من تخفيض الرسوم الجمركية وإزالة الحواجز غير الجمركية عليها، وتوسيع نطاق الجات ليشتمل تحرير السلع الزراعية والمنتوجات والملابس، وتجارة الخدمات، والجوانب التجارية المتعلقة بالاستثمار وحقوق الملكية الفكرية. وأكمل فهمى: ظهرت فكرة إنشاء منظمة التجارة الدولية لأول مرة، حين أعدت الحكومة الأمريكية عام 1945 مشروعا لإنشاء منظمة دولية للتجارة، على غرار إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ولكن الكونغرس الأمريكي رفض هذا المشروع وكان ذلك عام 1950، ومع مرور الوقت وتشعب عمليات التجارة الدولية وتطورها خاصة في الثمانينات نادى البعض بإنشاء منظمة التجارة الدولية في جولة الأورجواي، وعلى الرغم من المعارضة الأمريكية إلا أنها وافقت مؤخرا، وتتضمن اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية 16 مادة عامة تغطي مختلف الجوانب القانونية والتنظيمية التي تحكم عمل هذه المنظمة. وأكد فهمى، أن النظام الدولي الوحيد الذي ينشغل بالقواعد التي تدير التجارة بين البلدان، في قلب هذا النظام نجد اتفاقيات OMCالتي تتفاوض عليها البلدان الأقوى عالميا في التجارة، هذه الوثائق تمثل القواعد القانونية الأساسية للتجارة الدولية والعقود التي على أساسها ستبني الدول سياستها التجارية داخل الحدود المتفق عليها بهدف مساعدة المنتجين للسلع والخدمات المصدرين والمستوردين في ممارسة نشاطاتهم، وكان الهدف للمنظمة عدم التمييز بين أعضاء الدول، وإزالة كافة القيود على التجارة، واللجوء الى التفاوض. وقال فهمى، إن سلبيات المنظمة، أن الدول المتحكمة تفرض على الحكومات سياسات واجب اتباعها، وأن المنظمة لا تنشغل إلا بالمصالح التجارية الخادمة لمصالح الدول المتقدمة، بالإضافة إلى أنها تحطم مكاسب الشغل وتعمق الفجوة بين الدول الفقيرة والغنية، والمنظمة عبارة عن مجموعة من الضغوطات القوية، والبلدان الضعيفة تواجه قيودا للانضمام إلى المنظمة. وأعرب فهمى، عن أن إلغاء الدعم التدريجى المقدم للمنتجين الزراعيين في الدول الصناعية سيؤدي إلى تغيرات في البنية الجغرافية للعرض لاسيما بعد أن تم تحويل القيود الكمية المفروضة على الواردات من السلع الزراعية إلى قيود سعرية، ذلك لأن الحماية الزراعية كانت تعتمد إلى حد كبير على القيود غير التعريفية، وعليه ستزداد مشاكل الدول المتخلفة من جراء هذه الاتفاقية، ذلك لأن أسعار المنتجات الزراعية الناتجة عن إلغاء الدعم من جهة والتنافس الأوروبي والأمريكي على كسب الأسواق وتقسيمها يؤدي إلى تدهور شروط التبادل الذي تتحمل عبئه الدول المتخلفة التي تعاني من التبعية الغذائية، وهذا ما يهدد موازين مدفوعاتها، وينبئ بزيادة اختلالها في السنوات القادمة، وما يفسح المجال واسعا أمام تدخل صندوق النقد الدولي. وأرجع فهمى، ذلك إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أخذت مهلة 6 سنوات منذ عام 2001 حتى تطور من نفسها فى صناعة المنسوجات فى الشرط الثانى من الاتفاقية، موضحا أن الخطأ لم يكن في شروط المنظمة بالنسبة للدول النامية، لكن الخطأ يقع على الدول نفسها متسائلا: لماذا لم تستفد مصر والدول النامية من المهلة وتطور من منتاجتها؟، مؤكدأ أن مصر "نايمة فى العسل" على حد وصفه. وفى سياق متصل، قال الدكتور صلاح العمروسى، الخبير الاقتصادي وباحث في مركز البحوث العربية، إن العديد من الدول قامت بالتوقيع على الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة التي أصبحت تعرف فيما بعد بمنظمة الGATT وذلك في شهر يناير من عام 1948، وتأسست بذلك منظمة متعددة الأطراف وضعت القواعد التي تحكم التجارة الدولية، والاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة كانت حينئذ تطورا فريدا وخطة جذرية بالنظر إلى أن عمليات التبادل التجاري كانت تجري وفقا لاعتبارات المصالح الوطنية للدول. وأضاف العمروسى: في عام 1994 انقضى عمر المنظمة لتحل محلها منظمة التجارة الدولية التي تضم 123 دولة عضوا و تستحوذ مجتمعة على 90 % من حركة التبادل التجاري الدولي، وكان الهدف من إنشاء منظمة الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة خلق مناخ للتجارة الدولية يسوده الانسجام وقائما على المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص. وأوضح العمروسى، أن التجارة الدولية في تلك الأيام كانت لصالح الدول الغنية المهيمنة على حركة التبادل التجاري الدولي وتملي شروطها على دول العالم الثالث، وتحدد من يبيع السلع ومن يشتريها. وأكد العمروسى، أن الدول القوية اقتصاديا أقامت حواجز في وجه الدول النامية، وتجسدت تلك الحواجز في رسوم استيراد على السلع التي من شأنها منافسة صناعاتها وإلحاق ضرر بها، كالسيارات وأجهزة الراديو، ولم يكن أمام دول العالم الثالث في مثل هذا الواقع سوى الخضوع لتلك الشروط الملائمة لها والاكتفاء مرغمة بأن تبقى المصدر الرئيسي للمواد الخام. وأكد العمروسى، أن الواقع هو الذي جعل منظمة الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة الدولية، تدرك منذ وقت مبكر أنه يجب منح دول العالم الثالث معاملة خاصة وتشجيعها حتى تستطيع الثبات في محيط التجارة الدولية، وفي الوقت الذي عملت فيه المنظمة على إقناع الدول الغنية بإسقاط حواجز الحماية الجمركية، كانت تعمل أيضا على توفير الأسباب التي تيسر لدول العالم الثالث دخول الأسواق التجارية الرئيسة في العالم. وأضاف العمروسى، أن الاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة أو الGATTوضعت إطارا أو هيكلا لتجارة دولية أكثر تحررا من القيود والحواجز، بينما ستقوم منظمة التجارة الدولية بالإشراف على تحقيق ذلك في الواقع العملي مع فرق واحد هو أن لهذه الأخيرة سلطات أكثر من المنظمة الأم. وأكد العمروسى، أن منظمة التجارة الدولية تملك سلطات أقوى في إجراء تحقيقات أكثر من منظمة الجات، إذ يمكنها مقاضاة الدول التي ترتكب مخالفات فيما يتصل بموضوع التجارة الدولية في محاكم دولية، ورغم أن الفرصة لم تسنح بعد للمنظمة لممارسة هذه السلطات والقدرات ووضعها على محك الاختبار. وأشار العمروسى، إلى أن أساس تدهور الاقتصاد المصرى هو الخضوع لمنظمة التجارة العالمية، لأنها تفرض على العالم الثالث سياسات تخدم مصالح الدول المهيمنة على الاقتصاد العالمى على حساب الدول الفقيره.