ترصد الدكتورة هبه محمد البشبيشي، الأستاذة بمعهد الدراسات والبحوث الإفريقية، في كتابها الجديد «إفريقيا في الفكر السياسي الصهيوني» تاريخ العلاقات الإفريقية الصهيونية، وذلك منذ طرح بني صهيون على مائدة المؤتمر الصهيوني السادس الذي أقيم بمدينة بازل بسويسرا، فكرة إقامة وطنًا لهم في أوغندا إذا فشلوا في فلسطين. تذكر «البشبيشي» أنه في هذا المؤتمر طرحت فكرة اتخاذ إحدى المستعمرات البريطانية بديلًا عن أرض فلسطين في حال إذا ما تعقدت الأمور وحُسم الخلاف لصالح العرب، واقترحت أوغندا كبديل لهذا الوطن الذي يطمع فيه اليهود، إلا أن الصراع بين المتدينيين الذين تمسكوا بفلسطين أرض الشريعة اليهودية- حسب مزاعمهم وادعاءاتهم لتبرير السلب- من جهة، والعلمانيين الذين رغبوا في وطن يجمعهم في أي مكان على وجه الأرض حتى يتخلصوا من اضطهاد الروس لهم من جهة أخرى، أدى إلى فشل الفكرة، إذ نجحت جماعات الضغط اليهودي على مستوى العالم في جعل فلسطين وطنًا يهوديًا في قلب الشعوب الإسلامية والعربية، وباتت إفريقية في الفكر الصهيوني هي الجار الاستراتيجي الذي تربطه مصالح بالكيان اليهودي الجديد. ثمة علاقة بين الحركة الصهيونية والجامعة الإفريقية من حيث ظروف النشأة تكشفها الباحثة، إذ توضح أنه في الفترة التي ظهرت فيها حركة "تيودر هرتزل" الذي حلم بتخليص اليهود من عذاباتهم في أوروبا، كان الأفارقة يعانون من التعذيب والتنكيل بهم في أمريكا وأوروبا، وهنا ظهرت حركة "ماركوس جارفي" الذي حلم بعودة الأفارقة إلى أوطانهم المسلوبة، وأسس لفكرة الجامعة الإفريقية، في مقابل حركة "هرتزل" ومن ثم أصبح «جارفي» المسيح المخلص للأفارقة من عذابات أمريكا، و"هرتزل" المسيح المخلص لليهود من عذابات أوروبا، وهنا ظهر مصطلح جديد يربط بين تلك الأفكار عرف باسم "الصهيونية السوداء". وتؤكد الباحثة أن «جارفي» وجد دعمًا قويًا من المفكرين الصهاينة حتي أنه تبنى بعض أفكار اليهود حيث اتخذ من نجمة داوود السداسية شعارًا له وكان لهذا الدعم الذي تلقاه، عدة نتائج منها: التباعد بين فكر الجامعة الإفريقية عن فكر الجامعة العربية ونفور الأفارقة من العرب وقضاياهم بشكل ملحوظ واعتراف «ليبريا» السريع بالكيان الصهيوني، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة كاملة أمام الصهاينة، لإرساء دعائم التعاون بينهم وبين باقي دول غرب إفريقية واقتناع قادة ليبريا إلى جانب قادة إسرائيل بوجود تاريخ مشترك ونضال متواصل. وطوال صفحات الكتاب تؤكد الكاتبة أن العرب هم المسؤولون عن التوغل الإسرائيلي في القارة السمراء إذ ابتعدوا عن كل قضاياها ووقفوا مكتوفي الأيدي أمام ما يتعرض له الأفارقة من اضطهاد وتعذيب وما يعانون منه وفي المقابل لم يجد الأفارقة سوي يد الصهاينة ممدودة إليهم فتفاعلوا معهم وهنا أصبحت إفريقية بالنسبة للكيان الصهيوني مجالًا حيويًا تكتسب منه مكانة مختلفة أمام العالم، محاولة إيجاد فرصة لتقديم نفسها بصورة أفضل من الدول العربية التي وقفت تنظر ببرود ولامبالاة، أمام مشاكل القارة السمراء. تنتقل الباحثة للحديث عن علاقة الصهاينة بإثيوبيا حيث تؤكد أن الكيان الصهيونى تعامل معها باعتبارها الحليف الأول في القارة السوداء، مشيرة إلى أن أثيوبيا كانت الدولة الثانية التي أقامت علاقات مع الصهاينة بعد ليبريا عام 1961 وجاء هذا الاعتراف بعد تعاون صهيوني أثيوبي في مجالات إقتصادية وثقافية وعلمية، أمام صمت وجمود عربى أشبه بالعار حسب تعبير الكاتبة.