تراجع دور وزارة الثقافة، بمؤسساتها وهيئاتها المتعددة، منذ تم مسخ القيم المجتمعية وتغليب ثقافة الانفتاح والاستهلاك، وبعدما كانت الأنشطة الثقافية تقدم فى القرى والنجوع وتقوم بدور توعوى كبير سقطت الهيئات الثقافية فى وهدة البيروقراطية العقيمة حتى أصبح حضورها باهتا،وظلت الثقافة الجماهيرية/ هيئة قصور الثقافة تسبح ضد التيار وتسعى بكل دأب للقيام بدورها التثقيفى الذى اضطلعت به، ولقد كان للثقافة الجماهيرية بصماتها الواضحة على المجتمع المصرى فى مدنه وقراه ونجوعه حيث يتميز هذا الجهاز بتعدد فروعه وتمددها على مستوى الوطن، لكن الثقافة الجماهيرية لم تسلم هى الآخرى من أدران السطحية التى ضربت مصر وجعلت جل توجه أهلها استهلاكى سطحى وأصبحت الثقافة والفنون كلمة مشبوهة، ولم يكن أثر ذلك وقفا على العملية التثقيفية بأبعادها المختلفة والمتجاورة، لكن الأمر بالطبع تعدى ذلك ليطال العملية التعليمية أيضا، فأصبحت المدارس بؤرا لتصدير التخلف ومراكز لإنتاج الجهل، وبفضل ثقافة البترودولار أصبحنا نشهد أجيالا تتخرج من مدارسنا تجهل هويتها وتسعى للانسلاخ عن مكوناتها الثقافية، فبتراجع دور المؤسسات الثقافية و بتتوانى المؤسسات التعليمية عن القيام بدورها، وبسعى المؤسسات الإعلامية للتسطيح والتغييب ماذا ننتظر سوى أن نجد أجيالا خاوية تائهة غير قادرة على تحديد موقف من نفسها ومن العالم، وساعتئذ سنلفى أنفسنا نحيا فى مجتمع هلامى سطحى يحمل بين جنباته أسباب سقوطه وانسحاقه. ولهذا كانت أهمية مشروع "التنمية الثقافية والفنية للقرى المصرية" هذا المشروع الوطنى العظيم المعروف إعلاميا باسم "مسرح الجرن" والذى كان صاحب فكرته المخرج المسرحى القدير أحمد اسماعيل، صاحب التجارب المسرحية المهمة والتى قدمها على خشبات مسارح مصر والعالم العربى، عنى مشروع مسرح الجرن بتضافر الجهود بين الثقافة الجماهيرية ووزارة التربية والتعليم والعمل المشترك فى مدارس المرحلة الإعدادية للسعى لخلق جيل جديد محب للثقافة والفنون، جيل يتواصل ويرتبط مع مكونات هويته، جيل يؤمن ويتربى ويتدرب على العمل الجماعى وعلى تقبل الآخر، كما يساعده على حسن التحصيل الدراسى ، ولقد نجح المشروع فى إشاعة البهجة وزرع الأمل فى أكثر من 15 موقعا تتوزع بين مرسى مطروح والبحيرة وقنا وأسيوط والوادى الجديد والقليوبية والإسماعيلية والمنوفية بنى سويف وغيرها من محافظات مصر، ولقد وقفت تيارات اليمين المتطرف أمام هذا المشروع واستطاعت بالفعل تعطيل النشاط فى مرسى مطروح والوادى الجديد، لكن ظلت كتيبة المشروع تقاوم فى سبيل فكرتها العظيمة، وبإمكانيات متواضعة للغاية، إلا أن عبث جماعات التطرف كان هينا أمام عبث جماعات البيروقراطية والمتربصين لكل مشروع ناجح ومفيد، وبشكل درامى عبثى تمت محاربة المشروع بقوة وتم تجميد نشاطه بعدما حقق تقدما كبيرا على أرض الواقع وبعدما وبعدما بدأ الترتيب لبناء مسارح مفتوحة تكون بمثابة منارات ثقافية وتوعوية فى قرى مصر المحرومة من أبسط حقوقها الانسانية ألا وهى المعرفة، لماذا تمت محاصرة مشروع مسرح الجرن بعدما قطع هذه الخطوات على طريق النجاح؟ سؤال ينتظر الإجابة عليه – خاصة وأننا فى احتياج شديد لمثل هذا المشروع الوطنى الآن – وأتمنى ألا يطول الانتظار.