يمكن القول، بداية، ومن خلال المتابعة الدقيقة لكثير من التفاعلات فى المشهد السياسى، بروز العديد من الظواهر السلبية، وغير المبشرة، والتى تطرح مجدداً، التساؤل الصعب والملح: هى البلد رايحة على فين؟ وأين موقع وموقف من هم فى كراسى ومناصب الحكم والمسئولية من هذه الظواهر تجاه شعب حقق "ثورتين" فى زمن قياسى غير مسبوق، وينتظر الكثير من إنجاز شعارات هاتين الثورتين، خاصة فى مجال العدالة الاجتماعية وإزابة الفوارق بين الطبقات، وإيلاء الغالبية العظمى من المهمشين والفقراء ومحدودى الدخل، فى بلد يعيش أكثر من 40 % من سكانه تحت خط الفقر. ومن أبرز هذه الظواهر غير المبشرة، ما صدر مؤخراً عن مجلس القضاء الأعلى حول حرمان التعيين فى مناصب النيابة العامة بدعوى التأهيل الاجتماعى، أى ضرورة حصول الوالدين "على مؤهل عالى"!!. وتقفز للذاكرة الحادثة الشهيرة، منذ بضعة سنوات لخريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والمتفوق فى سنوات دراسته الجامعية، والذى إجتاز بنجاح وتفوق على أقرانه ، كافة اختبارات إعلان وزارة الخارجية، الشفوية والتحريرية، ومع ذلك أستبعد من التعيين فى السلك الدبلوماسى "لتدنى مستواه الاجتماعى!! ومن هول صدمته أقدم على إنهاء حياته: منتحراً، احتجاجاً على طبقية المجتمع الذى بات لا مكان فيه للتفوق والنبوغ. ومن شأن القرار الأخير بحرمان 340 خريجاً من كليات الحقوق من التعيين فى السلك القضائى أن يطرح مجدداً تمييزاً من شأنه تهديد الدستور، ويهدم العدالة، ويؤشر لعودة الطبقية المقيتة، وإهانة مرفوضة لأباء شرفاء وبالتبعية لأبناء نابهين تحدوا ظروف اجتماعية صعبة وقاسية ومع ذلك تمكنوا من قهرها وتحقيق التفوق والنبوغ. بيد أن المجتمع ذاته يتواصل فى سياق عملية التوريث لشرائح معينة دون سواها ويفرض ذلك بقوة وقسوة . فهل ينتحر هؤلاء الأباء حتى لا يكونوا وصمة عار لهؤلاء الأبناء ؟!!. ومما له صلة، ويصب فى خانة التكبر والإستعلاء ويعكس هذه الثقافة، أكثر من كونه حادثاُ قد يكون فردياً، ما حملته الأنباء عن قيام "ضابط شرطة صغير" برتبة ملازم أول، بإستدعاء أفراد من قوة التدخل السريع للهجوم على مدرسة وترويع كل من بداخلها، عقاباً على قيام ناظر هذه المدرسة بتسجيل مدرسة فى كشوف الحضور والغياب تحت خانة "غائبة" وتشاء المقادير!! أن تكون هذه المدرسة هى زوجة هذا " الباشا الصغير"، فى واقعة تعكس إلى حد كبير، غياب وعدم احترام القانون ، وشيوع منطق استغلال الوظيفة العامة لفرض واقع بمنأى عن النظم واللوائح والقانون. وإذا كان هذا حال تصرف "ملاذم أول" فكيف سيكون تصرفه إذا أصبح بدرجة ورتبة " لواء" على سبيل المثال. وفى السياق ذاته، تتجلى الطامة الكبرى فى قيام "مجلس وزراء حكومة محلب" بإصدار قرارر بتجريد مواطن مصرى وإسقاط الجنسية المصرية عنه !! وفى حدود المعلومات المتاحة ، لم يتم التحقيق معه بمعرفة القضاء، ولم تتاح له ، بواسطة المحامين، فرصة الدفاع عن نفسه ، وتفنييد ماهو موجه له من " إتهامات" تجعله من جراء هذا فى خانة "البدون" أى بدون جنسية، مما يفرض عليه طلب اللجوء لدولة أخرى قد تمنحه جنسيتها. والتساؤل هنا هل بهذه البساطة والسرعة وفى غياب القانون المنظم لحالات فقدان الجنسية يتم حرمان مواطن ما من هذه الوضعية وفرض عذابات لا طائل له بها، فى الحاضر والمستقبل القريب على حد سواء. وفى الوقت الذى تتخذ فيه الحكومة الحالية قرارات لصالح شريحة اجتماعية معينة، هم الأغنياء وحدهم، بما يكرس انحيازها لهم، وليس للسواد الأعظم من الشعب، والتى كان آخرها: مشروع "التاكسى الطائر"، على سبيل المثال لا الحصر، ومع تواصل تراجع دور الدولة فى تقديم الخدمات الاجتماعية والرعاية لمن هم فى مسيس الحاجة إليها، يأتى مثال السيدة التى وضعت مولودها "تحت البطانية " على مقربة من مستشفى كفر الدوار العام، ولحين أن تنجلى كافة ملابسات هذا الحادث غير الآدمى، تتأكد حقيقة أن حياة "البنى آدم" فى مصر باتت رخيصة بصورة تدعو للقلق والحسرة. ومما له صلة، وفى حدود ما تسرب من معلومات حول أن تكلفة إنتقالات الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، من مقر محبسه بمستشفى القوات المسلحة بالمعادى، لحضور جلسات محاكمته، بلغت قرابة نصف مليار جنية، بالطبع تحملتها الخزانة العامة، تتواصل تردى الأوضاع الصحية الصعبة لمن شاركوا فى معركة "الأمعاء الخاوية" خاصة محمد رمضان وأحمد دومة، دون أن يعيرهم "القضاء الشامخ" أدنى إلتفاته، ويسمح بوضعهم بمستشفيات خاصة تتوافر فيها الرعاية المناسبة لما وصلت إليه حالاتهم الصحية، بل أصر على عودتهم لسجونهم بما يزيد من تدهور صحتهم ويهدد حياتهم ذاتها . خاتمة القول، فإن ما تم الحديث عنه، على سبيل المثال، لا الحصر، يطرح الكثير من المخاوف غير المبشرة والتى يتحمل المسئؤلية عنها وحدهم من آلت لهم مقاليد الأمور، فهل بمقدورهم تجاوزها، وقبل فوات الآوان ؟!!.