يصدر قريبًا عن دار أكتب للنشر والتوزيع، كتابًا جديدًا بعنوان «العقد النفسية الأكثر انتشارًا في العالم»، للكاتب حمودة إسماعيلي. يقول الكاتب إن العذاب النفسي مرتبط بالانتظار، ولكي تفهم العذاب النفسي يجب أن تفهم الانتظار؛ لأن هذا الأخير هو الوسط الذي يساعد في نموه، فيمكن أن نرى الانتظار هنا كحديقة واسعة والعذاب النفسي كطفل يركض ويتجول فيها بكل حرية، لو لم يجد الطفل تلك الحديقة لما استطاع أن يُعبِّر عن ذاته بتلك الطريقة (الركض والقفز). عندما تمر باختبار دراسي، يتملكك إحساس مضطرب بالفترة الواقعة بين يوم الامتحان ويوم إعلان النتيجة، حتى الفرحة (بسبب أحداث مفرحة نسيّباً تقع خلال تلك الفترة) تصبح غير مكتملة؛ لأن العقل مشغول ومهموم بالنتيجة التي تقض مضجع الهناء النفسي والفكري، مثلما يحدث مع المشبوه الذي ينتظر حكم المحكمة، وسواء كانت النتيجة نجاحاً أو فشلاً فليس ذلك هو ما يُسبّب الإحساس السلبي، بل هو انتظار النتيجة غير المؤكدة، فلو أتى أحدهم وأخبرك في اليوم الموالي ليوم الامتحان بأنك فشلت أو نجحت فإنه يخلصك مباشرة من عذاب الانتظار والتخمين ووضع الاحتمالات والهمّ والتفكير، إنه فقدان السيطرة على الواقع والذات، في الانتظار يشعر الإنسان بأنه محاصر ومسجون (حتى ظهور النتيجة) وهذا هو عذابه النفسي، شخصان فقط من لا يستطيع العذاب النفسي الاقتراب منهما: الواثق من نجاحه %100، وغير المهتم، لأنهما حسما النتيجة بالبداية دون أن يقعا سجينين بانتظارها. نفس المثال ينطبق على المريض، الذي يسجنه مرضه بفترة معينة، أو يسجنه طبيبه حتى موعد معين، بل وكل من يجد نفسه في موقف انتظار مفروض عليه، مثل من يقومون بإرسال طلب عمل أو نشر بحث، فيفرض عليهم انتظار مدة حتى يتلقوا الخبر (الذي يحتمل الرفض أو القبول)، يشعر الشخص في تلك المدة بأن قوته مسلوبة منه، وأن قدره يحكمه الآخر، فمن تعوّد أن تكون قرارات حياته بيده صار الآن قراره يصدر من جهة أخرى خارجة عنه، يشعر كأنه نملة ليس له أي قوة أو إرادة أو قدرة. وطالما أن أغلب المواقف الحياتية تتضمن الانتظار (وفرض الانتظار)، فغالباً ما تتخلل العذابات النفسية حياة الناس، وتختلف بينهم حسب الشدة، فمنهم من يطور قدرة (كحيلة أو حل ذهني) ليتغلّب على فراغات الانتظار بكثرة مشاغل: كجدول أعمال مليء مثل الذي يعتمده رجال الأعمال أو الفن أو الادارة، فكثرة المشاريع والأمور المنتظرة تشغل العقل عن انتظار "الأمر الواحد"؛ لأنها تكسر القيد الذي طوّقه بالانفتاح على مشاغل واهتمامات عدة بنفس الوقت، وسيكولوجياً فإن كثرة الاهتمامات والإبداع تشغل صاحبها عن الوقوع في الملل أو الروتين، طالما أن عقله لا يمتلك وقتاً ليشعر بالملل أو يحدد معناه.