200 يوم بداخل كهف بدون ذخيرة أو طعام أو ماء ينتظرون الموت في أي لحظة يأتيهم سواء من صورايخ الغارات الجوية الصهيونية التي تدك الجبال كل يوم أو من مدفعية المدرعات التي تبحث عنهم بين شقوق هذه الجبال، ومع ذلك يواصلون البقاء والقتال لتحقيق العزة والكرامة وتحرير الأرض المغتصبة … إنهم رجال الصاعقة المصرية المكلفين بالعملية "سد" بجنوب سيناء في حرب أكتوبر 73 أو كما أطلق عليهم أهالي وبدو المنطقة "جنود الكهف" . البداية في 6 أكتوبر عام 1973 عبرت القوات المصرية قناة السويس لتحطم خط بارليف المنيع وتبدأ المعركة لاسترجاع الأرض المحتلة، وفى نفس التوقيت كان هناك فصيلة من الصاعقة المصرية بالكتيبة 84 تعبر خليج السويس بالزوارق المطاطية للقيام بالعملية "سد"، والتي كانت تقتضى بقطع الإمدادات الخلفية للعدو ومنع توافد وتقدم القوات الإسرائيلية على شمال سيناء للمشاركة في حرب أكتوبر، ومحاولة إشغالهم في اشتباكات مسلحة يومية تمنعهم من الانضمام لباقي القوات الإسرائيلية في شمال سيناء، وكانت تحت قيادة اللواء "مجدي شحاتة"، والذي كان نقيب بقوات الصاعقة في ذلك الوقت . المعركة بدأت المعركة فور وصول القوات إلى منطقة "وادي بعبع"، وبدأت القوات في تدمير حافلات الجنود والمدرعات، ووقف تقدمها إلى شمال سيناء، وكانت الأفخاخ من الألغام الأرضية والعبوات الناسفة وقذائف "الار بى جى " والهاون أهم الأسلحة التي استخدمها هؤلاء، وبالفعل نجحت في إيقاف تقدم العدو واستمر القتال طوال ال 24 ساعة في محيط المنطقة من يوم 6 أكتوبر إلى يوم 9 أكتوبر . التفرقة العشوائية في صباح 9 أكتوبر اشتد القتال المسلح بين قوات الصاعقة المصرية والعدو الإسرائيلي، والذي أسفر عن خسائر فادحة بين صفوفهم دفعتهم إلى استدعاء الطائرات المقاتلة والمروحية والدبابات للقضاء على فصيلة الصاعقة فقرر قائد الفصيلة أنذاك النقيب "مجدي شحاتة" بتفرقة القوة بشكل عشوائي وتشتيتها، بعد أن أصبحوا مكشوفين للعدو واحتمى في أحد شقوق "جبل وتر بوادي فيران"، وقتها استمر القصف الجوي على مدار الساعة في الجبل من أعلى، بينما كانت تدك الجبل مدفعية الدبابات والمدرعات من أسفل، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل هبط رجال المظلات الإسرائيليين من الطائرات ليستولون على قمم الجبال بمعاونة الطائرات والمدرعات . الصمود صمد رجال الصاعقة المصرية وعلى رأسهم النقيب "مجدى شحاتة" حتى آخر طلقة، وبعدها نفذت الذخيرة إلى جانب الطعام والشراب فأصبح الاختباء هو الحل حتى يأتي أي إمداد بالذخيرة والطعام، وظلت تطارد النقيب "مجدي" دانات المدفعية وصواريخ الطائرات طوال الوقت، وهو يتنقل في الجبل من شق لآخر ومن كهف لآخر، حتى لزم أحد الكهوف بصحبة 3 آخرين من رجال الصاعقة . وحاولا الحصول على أي ذخيرة أو ماء، ولكن دون جدوى ما كان يجعلهم يهبطون إلى الوادي بين الحين والآخر، ويقول اللواء "مجدي شحاتة" إنهم كانوا يشربون مياه مبردات السيارات المحترقة والمدمرة، بعد أن قطع العدو المياه بسدها وكانوا يبحثون بين جثث القتلى الإسرائيليين والشهداء المصريين على الذخيرة والطعام والشراب في محاولة للصمود . مهمة بلا عودة وصف المشير "إسماعيل" العملية "سد" ب "مهمة بلا عودة" بعد أن تزايدت أعداد القوات الإسرائيلية بالمنطقة، وإعلانها القضاء على قوات الصاعقة المصرية هناك والسيطرة على المنطقة، وكان هناك رجال إسرائيليين يقتفون أثرهم للقضاء عليهم، ولذلك كان عليهم تشتيتهم وتضليلهم والاحتماء بالكهف حتى ظهر لهم بعض الأعراب بعد أيام طويلة أصابهم فيها الإعياء من شدة الإصابات التي تعرضن لها والجوع والعطش . حلم العودة بمجرد ظهور الأعراب المصريين والبدو لهذه القوات، تجدد حلم العودة والانتصار، وظل البدو والأعراب يداووهم ويطعموهم سرًا بداخل الكهف لما يقرب من 180 يوم، وهم في عزلة عن العالم حتى ولم يعرف أي منهم أن الحرب انتهت بوقف إطلاق النار، ولا كيف يعود إلى خطوط جيشه، وكنا بعيدين عن أقرب خطوط لقواتنا بمسافة 200 كيلو . العودة ساعدنا الأعراب والبدو في العودة من الكهف إلى أول كتيبة مصرية، والتي تولت نقلنا إلى القاهرة، وفور عودتنا طلب المشير "أحمد إسماعيل" مقابلتنا بملابسنا، وكانت مهلهلة، وكنت وقتها برتبة نقيب صاعقة، وعرض علينا البدو ارتداء الجلابيب لكننا أصررنا على ارتداء نفس الزي العسكري استعدادا لأوامر جديدة، وتحت إلحاحهم استبدلت ملابسي بملابس زميل ضابط في الصاعقة استشهد أسمه "عادل عبد الفتاح" .