ما زالت قضية سد النهضة تثير الجدل بين الخبراء، فمنهم من يرى أن السودان هي أكثر ضررًا علينا إذا قامت بالتوسع في الأراضي الزراعية وأن التفاوض معها على أنها شريك لنا خطأ فادح لأنها أكثر استفادة من السد عن إثيوبيا، وومنهم من يرى أن السودان في غفلة عن مخاطر السد الواقعة عليها وأنها يجب أن تتحالف مع مصر لمواجهة أخطار السد وإثيوبيا نفسها. يقول الدكتور إسلام ممدوح خبير السدود "يجب أن نفرق بين أنواع السدود الأربعة، فمنها ما هو لتوليد الكهرباء مثل سدود جبال سويسرا وأخرى لمنع الفيضان مثل سد الروافعة في العريش وسدود أخرى يتم إنشاؤها لتنظيم الري كالقناطر، بالإضافة إلى سدود متعددة الأغراض كالسد العالي"، موضحًا أن سد النهضة الاثيوبي هو من أنواع السدود المقامة لتوليد الكهرباء، ولكي يقوم السد بدوره يجب أن يتم تمرير المياه كي تعمل التوربينات؛ ولذلك من العبث أن نتحدث عن عملية تخزين المياه خلف السد؛ لأن إثيوبيا لا تعاني من مشكلة في الري، ولكنها تقيم السد بهدف إقامة مشاريع تنموية فقط". وأوضح ممدوح أنه يجب أن نتخوف من السودان في حالة اتخاذها قرارًا بالتوسع في الأراضي الزراعية؛ لأن ذلك يؤثر على حصتنا في مياه النيل المتفق عليها في اتفاقية 1959، فالخطر الأكبر يمكن توقعه من السودان وليس من إثيوبيا التي أعلنت أن ما تحتاجه من الطاقة الكهربائية المنتجة من سد النهضة هي فقط 50% من إجمالي إنتاجه، واتفقت مع السودان على شراء 30% من الإنتاج بسعر 6 سنت / كيلووات، وهو سعر أقل من متوسط السعر العالمي البالغ 10سنت/كيلو وات، وإن كانت إثيوبيا تواجه الآن مشكلة في ال 20% المتبقية، حيث لا يمكنها تسريبها في البحر، وداخليًّا لا تحتاجها، وطبعًا الحديث عن نقلها لإسرائيل مستحيل علميًّا، إذن ليس أمامها سوى خيارين إما أن تبيع للسودان أو لمصر، وهذا أول مكسب لنا من سد النهضة، أن نأخذ كهرباء بسعر رخيص، هذا بجانب أن سد النهضة سوف يمنع الفيضان الحادث بالنيل الأزرق، وعليه فالمياه التي كانت تذهب سدى ستسير في مسار النهر، أي أن كمية المياه ستزيد 6 مليارات متر مكعب في السنة، هذه الزيادة ستقسم بيننا وبين السودان وفقًا لاتفاقية تقسيم مياه النيل الموقعة بين مصر والسودان سنة 1959 بنسبة 3:1، أي أن حصتنا فعليا ستزيد من المياه ولن تقل. ولفت خبير السدود إلى أن تصريحات المسئولين الخاصة بالتنسيق مع السودان لمواجهة أخطار سد النهضة أمر لا يقبله عقل، متسائلاً: أية أخطار هذه التي تواجه السودان؟ فسد النهضة المستفيد الأكبر منه هو السودان، لعدة أسباب منها أن السد سوف يمنع الفيضان في النيل الأزرق، والذي كان يدمر ما يمر به في السودان في شهري أغسطس وسبتمبر، السد سوف يحجز المياه وينظمها، وعليه سوف ينتظم الري وتسهل عملية الزراعة، مما يساعد على خطة التوسع الزراعي بالسودان، حيث المستهدف وفقًا لهذه الخطة زراعة 10ملايين فدان جديدة، ولذلك كثير من السودانيين يتحدثون عن سد النهضة المقام على الحدود الإثيوبية السودانية بصفته «السد العالي» السوداني، فلماذا إذن ينزعجون منه أو ينسقون مع مصر لإيقاف العمل به كما نتخيل نحن؟". موضحًا أنه يجب التركيز على عدة نقاط أثناء التفاوض مع إثيوبيا والسودان، وهي أن إثيوبيا الآن أصبحت تتحكم في مياه النيل الأزرق وتضبط إيقاعها، وعليه فأي فيضان سيحدث هو من فعلها وليس من فعل الطبيعة، إذن يجب الاتفاق وتوضيح ذلك وأن نعبتر أي فيضان يحدث عملاً عدائيًّا تجاهنا، فيجب التأكيد على التزام البلدين (مصر/السودان) باتفاقية تقسيم مياه النيل الموقعة سنة 1959 والتي تنص على تقسيم المياه بين مصر والسودان نسبة 3:1 بواقع 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان. فيما أكد الدكتور نادر نور الدين أستاذ الري والأراضي بجامعة القاهرة أن السودان ترتكب خطأ كبيرًا إذا ظنت أن إثيوبيا تقيم السد من أجل إفادة السودان، ولكنها تقيمه من أجل صالحها فقط، وكل ما سيعود على السودان هو عرض جانبي Side Effect لإقامة السد ودون إرادة إثيوبيا ولم تخطط له، ولكن إقامة السدود عامة تمنع الفيضان وتمنع الطمي، ولكنها تساوم السودان بالأثر الجانبي وليس بالسد. وأوضح نور الدين أن الطمي الذي سيُمنع عن السودان سيردم السد الإثيوبي وبالتالي لابد من إقامة 3 سدود وبسعة 200 مليار متر مكعب من نهر تقل تدفقاته عن 49 مليارًا، ووقتها ستعطش السودان قبل مصر، لافتًا إلى أن إثيوبيا ترفض التوقيع على حصة لمصر أو للسودان، وأن السدود التي تقيمها إثيوبيا هي لتخزين المياه والاتجار فيها؛ لأن مياه اليوم هي بترول الغد، وستستنزف الاقتصاد المصري والسوداني ثمنًا للمياه وبما لن يقل عن 50 مليار دولار كل سنة تتحول من اقتصاد مصر والسودان وتدخل الخزانة الإثيوبية.