القول بان الأحزاب المصرية (لا بتقدم ولا بتأخر) قول مغلوط، فكونها لا تقدم شيئا؛ هذا محل اتفاق، أما كونها لا تؤخر؛ فمردود عليه، إن مجرد وجودها تحت مسميات قيمية -تاريخية أو أيديولوجية- يسيئ إلي الماضي، ومجرد بقائها علب كرتونية سابقة الصنع يفسد الحاضر، ومجرد استمرارها بحالتها في ذاته يهدم المستقبل؛ فهي تؤخر وتعطل وتعرقل و تفسد وتهدم. الأحزاب المصرية لا علاقة لها بالسياسة، هي في الحقيقة نوادي اجتماعية و دور مسنين. والانتصار لوجودها الآن انتصار نظري جدا لقيمة التعددية السياسية، وكأنها قيمة مطلقة، وكأن الديمقراطية دين نزل من السماء، وليست مجرد آليات سياسية لو كان العمل بها لا يخدم مصلحة الجماعة الوطنية فإعمالها خيانة. الحق أن التعددية السياسية لم تخدم مصلحة وطنية لا قبل الإتحاد الإشتراكي ولا بعده، لا في ظل الحكم الملكي ولا الجمهوري. والحقيقة أنها كانت عاملا رئيسيا علي وقف حال الديمقراطية، وبقائها ديكورا سياسيا مغلفا بالانتخابات، يخفي تحت هيكله حقيقة الديكتاتورية المقنعة بقناع التعددية. التعددية الحزبية في مصر إذن هي مجرد قناع، ومن يستخدم القناع هي السلطة، والسلطة ليست من عامة الشعب، والشعب يقدم المصالح المادية علي الحرية، وباب الحرية الضيق هو التعددية الحزبية، والتعددية قناع السلطة.. هكذا دواليك.. ندور في حلقة مفرغة.. تؤخر.. وتجهد.. وتستهلك الأجيال. وهنا تتجلي شجاعة عبدالناصر، الحاكم والمثقف الوطني، ويبدو الفارق الجوهري بينه وسلفه أو خلفه، لأنه لو أراد لاستغل الديكور ذاته، وألبس سلطاته القناع نفسه، ولتأخرت مصر آلاف السنين. فالذين كان قدرهم التاريخي المحافظة علي تماسك الدولة هم هؤلاء الذين تخرجوا من مدارس الاتحاد الاشتراكي وخاصة التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب، هؤلاء الذين شاخ النظام يوم شاخوا، وانتهت الدولة يوم انتهوا. في حين لم يفرغ الوطن من المدارس السياسية، ويمهد الأرض لمدارس الإرهاب باسم الدين.. ولم يجرف الوطن من الكوادر السياسية، ويفتح الباب علي مصراعية لشيوخ الجهل؛ سوي هذه التعددية الصورية. الدرس الذي يقدمه التاريخ للرئيس السيسي في هذا الملف؛ هو أن الحزب الحقيقي الواحد أفضل من التعددية الصورية، وأننا لم نجرب التعددية الحقيقية بعد، وأنها -ربما- تقدم الصورة المثالية لحياة سياسية واعية تتجاوز مساوئ الأنظمة الساقطة، وتطهر الحياة السياسية من شوائب الفساد، وتربي كوادر وطنية واعده من أجل مستقبل أفضل.