مؤكد أن الوصفَ اللائق بتجربة الكاتب الساخر أحمد رجب، الذي رحل صباح الجمعة الماضية عن عمر يناهز السادسة والثمانين عامًا، هو «التفرد»، لكاتب عُرف بالجرأة ومناكفة السلطة، إلا أنّ ثمة وجه آخر لمؤلف «نهارك سعيد» ينحاز فيه إلى الرؤساء الذين تعاقبوا على مصر بدءًا من الرئيس الراحل أنور السادات. اعتاد المصريون في الآونة الأخيرة توديع الراحلين بمنطق «اذكروا محاسن موتاكم»، فكل من وافته المنية «طيب» وكل من قُدر رحيله «عظيم». بالمنطق ذاته انهال سيل من الكتابات بالصحف والمواقع الإليكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، ينعي الراحل مؤلف «يخرب بيت الحب» مشيدًا بالكاتب وأسلوبه وجرأته، اعتمادًا على «كليشهات» كثيرها حقيقي صنعه طريق الرجل وبعضها روجته الرؤية الشعبوية عن الراحل. من ناحية التفرد، تتسم به تجربة مؤلف «ضربة في قلبك» منذ بدايته في جريدة «أخبار اليوم» والتي لم يرحل عنها حتى وفاته، مع مؤسسيها الراحلين علي ومصطفى أمين، وفي عام 1968 وجهه «علي» ناحية الكتابة الساخرة بعد أن خصص له برواز صحافي بمثابة رسالة ساخرة مختصرة، استمرت من وقتها حتى رحيل صاحب «كلام فارغ». الصورة النمطية التي وَثّنتْ أحمد رجب تتلخص في الجريء الذي لم يهادن، خاصة وأن «نص كلمة» درات طوال تاريخها في فلك توجيه النقد السياسي والاجتماعي، راصدة التحولات السياسية وغيرها التي مرت بها مصر منذ نهاية عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتى الأيام الأخيرة من عمر صاحبها، بيد أن الأخير لم يتجاوز في نقده وسخريته سقف رئيس الوزراء، فغدى دولة الرئيس ووزارؤه وكافة المسئولين من بعدهم وأفراد الشعب بطبقاته المتباينة، أهدافًا مستباحة لسخرية رجب. فيما بقي رئيس الدولة، مهما كان اسمه، آمنًا من السخرية المباشرة واللاذعة، باستثناء العام الذي وصلت فيه جماعة الإخوان إلى الحكم. وعلى النقيض برأت –أحيانًا- كتابات «نص كلمة» الرؤساء من بعض الاتهامات السياسية، وساهمت في إعفائهم من المسئولية تجاه بعض الأحداث. ولم تسلم بعض الفئات المجتمعة والتيارات السياسية بخاصة اليسار من قلم صاحب «فلاح كفر الهنادوة»، الساخر من اليسار «المتأيقن» وأسلوب حياته في قصة «فوزية البرجوازية»، بدءًا من صيغ التحيات وطريقة النقاش وصولًا إلى السب واللعن ب«يا نرجسي يا متعفن المنشأ يا برجوازي»، ومع منطقية النقد لشخصية اليساري النصوصي والحرفي، فإن رجب قد انحاز في قصته إلى الرؤية الشعبوية في معالجة القضية، ويمكن القول إنها الرؤية المتوافقة مع رأس السلطة الحاكمة وسياسات نظام الحكم، الذي كان لا يزال يسعى، وقت تحول القصة لفيلم 1985، إلى القضاء على بقايا القوى اليسارية والاشتراكية استمرارًا للنهج الساداتي حيال القوى ذاتها. وخلال الانتخابات الرئاسية الأولى بعد سقوط حسني مبارك، لم يكن موقف رجب رفض كلا مرشحي جولة الإعادة بالسباق، واقفًا في صف رئيس وزراء آخر عهد مبارك أحمد شفيق، معلنًا انحيازه التام ضد محمد مرسي، مما دفع وقتها حملة الفريق لتضمين ال«نص كلمة» بالبوسترات الدعائية، التي حوت «نص كلمة تكفي لاختيار مرشح، ومليون كلمة قد لا تكفي لاختيار مرشح آخر»، فيما اصطف عقب أحداث «30 يونيو» في صف عبد الفتاح السيسي. في نظرنا، سمح التوافق مع رأس السلطة والدوران في فلك السياسات العامة للنظام المصري، لمبتكر شخصية «العجوز المتصابي» بالاستمرارية طوال نصف قرن، في محاولة لتهميش أصحاب أقلام ساخرة كبلال فضل والراحل جلال عامر وغيرهما ممن تتجاوز حدود كتاباتهم «أسقف رجب المنخفضة»، الأمر الذي حول الأخير إلى «أيقونة شعبوية» لا يجوز نقدها، كنتيجة للالتزام بالخطوط الحمراء التي رسمها لنفسه أو رُسمت له، سواء في كلمته أو من خلال الأفكار التي رسمها الفنان الراحل مصطفى حسين الذي وافته المنية الشهر الماضي، ولم يكن بذكاء زميله رجب في كثير من الأحيان لضبط الاعلان عن انحيازاته المتحولة، فبدى أكثر فجاجة في الانتقال من مدح رئيس إلى انتقاده والهجوم عليه، مما سهل توجيه الاتهام ب«نفاق السلطة» إلى الرسام بشكل مباشر واستحال الاتهام ذاته أمرًا صعبًا حيال أحمد رجب.