لا يعرف كثير من الناس شيئًا عما تقدمه مواقع قصور وبيوت الثقافة بقرى ومحافظات وأقاليم مصر، الأنشطة رغم تعددها ما بين عروض للمسرح والسينما والموسيقى والفنون الشعبية والفعاليات الثقافية الأخرى، تقدم لمقاعد أكثرها خالية من الجمهور المستهدف من أنشطة وزارة الثقافة في الأقاليم.. الجمهور في عينة عشوائية أبدى دهشته وعدم معرفته بمواعيد تقديم العروض الفنية التي تقدم من أجله بمواقع ثقافية تعمل من أجله، كخدمة مجانية تدعمها الدولة دون أن تصل لمستحقيها.. والمسئولون عن هذه الأنشطة بالهيئة العامة لقصور الثقافة لا يتظاهرون بعدم معرفتهم حقيقة "الأزمة" التي يسعون لمواجهتها وتجاوزها، ولكنه الزمن يتجاوز سريعًا خططهم المستقبلية الحالمة نحو الوصول بفنونهم وفعالياتهم.. "البديل".. توجهت أولًا نحو المواطن الذي يستقطع من دخله للدولة ما تخصصه لتقديم خدمات ثقافية مجانية لا تعود إليه مرة أخرى لأسباب متعددة، يفسرها المسئولون عن تنفيذ خطط "الثقافة الجماهيرية" قبل أن تصبح "الهيئة العامة لقصور الثقافة".. من حلوان يقول جمال فضل: إنه لم يسبق له حضورالعروض التي تقدمها فرق قصور الثقافة، مؤكدًا عدم معرفته بأنشطتها معتقدًا أنها كبقية المصالح الحكومية تغلق أبوابها في الثانية ظهرًا. بينما يتذكرمحمد عبد الحميد، القاهرة، حضوره عرضًا مسرحيًّا واحدًا ورغم إعجابه به إلَّا أنه لم يتمكن من مواصلة مشاهدته، ولم يكرر الأمر لعدم معرفته مواعيد أنشطة قصر الثقافة المجاور لمنزله إلَّا عن طريق الصدفة! ويري محمود عبد العظيم، المنيا، أن العروض التي تقدم بقصور الثقافة ذات محتوى جيد أمام تدني الذوق العام، ولكنها للأسف تفتقد الجمهور الذي لا يجد أمامه سوى الفن الهابط والمسف. ويقول حسين البسطويسي، محافظة الغربية: في مرحلة الشباب كان لدينا من الوعي والإدراك ما كان كفيلًا بدفعنا نحو متابعة ما تقدمه فرق الثقافة الجماهيرية التي كانت تتميز عروضها بالحضور الجماهيري الكبير لما تقوم به من توعية سياسية ودور مؤثر في الحركة الوطنية، ما تراجع الآن بعد تغير تركيبة المجتمع المصري للأسوأ، وأصبحت عروض الثقافة الجماهيرية بالنسبة له "موضة قديمة". ويشير د. على قطب، محافظة الغربية، إلي أهمية الوعي بطبيعة المجتمع المصري الذي يتعامل مع العروض التثقيفية والهادفة بسخرية، ويلاحظ ذلك كلما دعا زملاءه لحضور عرض مسرحى أو حفلات للموسيقي والفنون الشعبية بقصور الثقافة. وتقول عائشة محمد من محافظة الدقهلية ضرورة استعانة عروض قصور الثقافة بالنجوم في الأعمال التي تقدمها لجذب الجمهور، لتقديم الخدمة الثقافية لجمهورها المستهدف. وتوقفت نجوى إبراهيم، الجيزة، عن متابعة جديد عروض قصور الثقافة بعد سنوات من حرصها على مشاهدتها؛ لتحولها عن دورها وتقديمها أعمالًا ضعيفة، تتشابه وما يقدمها المسرح التجاري، وأخرى يصعب فهمها. وقال أسامة عصمت، الإسكندرية، ضاحكا: إن تقديم عروض قصور الثقافة مجانًا للجمهوريعد سببًا كفيلًا لعدم إقبال الجمهور عليها، خاصة مع شعب يؤمن بمقولة "الغالي تمنه فيه"، مطالبًا بضرورة تقديمها بمقابل رمزي للجمهور ليشعر بأهمية الأمر. ويؤكد محمد الشال، الدقهلية، أن وقته لا يسمح بالتوجه لقصر الثقافة لمشاهدة عروضه، بينما يشاهد كل ما يقدم في العالم بواسطة الإنترنت، ما لا يجعله متحمسًا للتوجه إلى قصر الثقافة. ويبدي صلاح مجدي، القاهرة، إعجابه بالطاقات والمواهب التي تقدمها فرق قصور الثقافة التي يتابع أنشطتها كافة، مطالبًا بتوفير مزيد من الدعم والمؤازرة لها. ويفجر كريم الشهاوي، القليوبية، مفاجأة بأنه لم يسمع من قبل عن نشاطات قصور الثقافة، وقائلًا: طالما يوجد فرد من الشعب لا يعرف عنها شيئًا فالمؤكد أنها لا تقوم بدورها على الوجه الأكمل. ويؤكد إبراهيم عشرين، الغربية، أن الدولة تضحك على نفسها، ففي الوقت الذي تهدرالملايين على تطوير وبناء قصور تعيد إغلاقها بحجة افتقادها شروط الأمن والحماية المدنية ضد المخاطر. ويعبر محمد عبد الفتاح، المنيا، عن أسفه الشديد لعدم متابعة مثل هذه العروض التى يعتبرها كنزًا؛ فليس لديه وقت لظروف عمله. من جانبها تقول نانسى سمير، رئيس الإدارة المركزية للشؤون الفنية بالهيئة العامة لقصور الثقافة: غياب الجمهور عن عروض الثقافة الجماهرية يرجع إلى ارتفاع نسبة الأمية والجهل بين الناس، ما يعد حائلًا بين ما نقدمه وبينهم في ظل غياب دور المؤسسات الأخرى، معبرة عن أسفها لعدم اهتمام المواطنين بمتابعة ما تقدمه الهيئة من أنشطة بالمحافظات المختلفة، ما ينعكس بالسلب على أنشطتنا خاصة المسرح؛ لإصرار بعض المخرجين على تقديم عروض تعتمد على نصوص عالمية لا تتناسب وطبيعة الجمهور المستهدف، ما يتسبب في عدم الإقبال عليها، بعكس عروض الموسيقى والفنون الشعبية التي تحقق حضورًا نسبيًّا للجمهور.وتؤكد حرصها على وضع خطة مستقبلية لتقديم أعمال تجذب الجمهور بمختلف فئاته، بجانب التحرك بالعروض إلى الشوارع والميادين. وقالت دعاء منصور، مديرالإدارة العامة للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة: إن معظم مواقع قصور الثقافة بالمحافظات مغلقة، والمفتوحة منها تعمل وقت تقديم العروض فقط، الأمر الذي لا يربط الجمهور بالمكان، بجانب أن العروض المقدمة بالمواقع لا تناقش القضايا الجماهرية فمعظم مخرجي الثقافة يتجهون إلى المسرح العالمي، رغم ما نعانيه من مشكلات لا حصر لها من الممكن أن تناقش في العروض، مضيفة أن خطتها لفرق مسرح الأقاليم هذا العام تشترط أن يكون لنصوص المسرح المصري تواجد بنسبة 50% والمسرح العربي بنسبة 25% والعالمى بنسبة 20%، والنسبة المتبقية لعروض مسرحة المكان. وأضافت د. زينب العسال، مديرة الإدارة العامة لرعاية المواهب ومسرح الطفل بقصور الثقافة: الإدارة تنتج عروضًا على مستوى جيد للطفل، ولكن للأسف يغيب عنها الجمهور؛ لغياب الإعلام المرئي والمسموع عنها، فهو السبيل الوحيد بيننا والجمهور، وطالبنا الإعلام كثيرًا تغطية بعض عروض الطفل ولكن بلا جدوى، فذهبنا بالعروض إلى المدارس والشوارع والمستشفيات ومعهد الأورام كي ننتشر في كل المحافظات، مضيفة أن لديها مشكلة أخرى كبيرة تجعل مخرجي الطفل أنفسهم يتوقفون عن الإخراج وهي قلة الميزانية، وليس من اللائق تقديم عرض للطفل بميزانية 20 ألف جنيه، فالطفل لم يعد ساذجًا كي يذهب لمشاهدة عروض فقيرة، لذا نطالب بزيادة الميزانية وتخصيص مكافآت أكبر للأطفال الذين يشاركون بالعروض لتحفيزهم على الاستمرار. يقول محمد الشبراوي، مدير الإدارة العامة للفنون الشعبية بقصور الثقافة: عروض الفنون الشعبية التابعة للثقافة الجماهرية بكل المحافظات يحضرها الكثير من الجمهور وينتظرها، ولا تعاني نقص الميزانيات. ويذكرعلى عفيفي، مدير الإدارة العامة لثقافة السينما بقصور الثقافة، أن الهيئة لديها أكثر من 40 دار عرض للسينما موزعة على محافظات مصر، توقفت عن العمل تمامًا بعد حريق بني سويف بحجة إعادة صيانتها، ولم تهتم الهيئة بصيانتها وإعادة تشغيلها، الأمر الذي حولها إلى "خرابات"، ومن الملح تخصيص ميزانيات محددة لإصلاحها، ويقول: في الوقت الذي تم فيه تجديد عدد كبير من مباني قصور الثقافة وتزويدها بقاعات للعرض السينمائي إلَّا أنها تفتقد إلى المعدات والتجهيزات للعمل على تشغيلها، ما يعد إهدارًا صريحًا للمال العام. الفنان أحمد إبراهيم، مدير الإدارة العامة للموسيقى بقصور الثقافة، يعيد أزمة غياب الجمهور عن أنشطة قصور الثقافة إلى التقدم التكنولوجي وتوافر الإنترنت الذي ساعد الشباب على متابعة جديد ما يقدم في العالم دون جهد، لافتًا إلى أن ذلك لا يمنع من الإقبال على الأعمال الجيدة والجاذبة، ما يدفعنا إلى ضرورة التحرك باتجاه الجمهور بالشوارع والميادين، وإقامة المهرجانات الموسيقية بمختلف محافظات مصر.