وصل إجمالي حصيلة بيع شهادات استثمار قناة السويس منذ بدء فتح باب بيع الشهادات إلى 28 مليار جنيه حتى أمس الأول وسط إقبال شديد من المواطنين، وهو ما يؤكد وطنية المصريين واستجابتهم لنداء الرئيس عبد الفتاح السيسي وإحساسهم بطبيعة المرحلة الحرجة التي تشهدها مصر الآن، وأيضًا إحساسهم بقيمة المشروع التاريخي لمصر. وأرجع الدكتور علاء رزق الخبير الاقتصادي والاستراتيجي أن هذا ناتج عن إحساس الشعب المصري بالخطورة الحقيقية التي تهدد الأمن القومي ووعيهم بأن التجربة قد تعود بتدخل خارجي عن طريق تمويل مشروع قومي عملاق بحجم مشروع قناة السويس، وهو ما حدث بالفعل في حفر القناة الأولى عام 1869، ومن خلال ذلك المشروع في القرن التاسع عشر تم احتلال مصر عسكريًّا، مؤكدًا أن الشعب المصري واعٍ جدًّا وقادر على ألا يسمح بتكرار تهيئة المناخ مرة أخرى لاحتلال مصر. وأكد رزق أن الأمر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإحساس الشعب بالوطنية الحقيقية بغض النظر عن القلة التي تنظر إلى العائد من شهادات الاستثمار البالغة 12%، مشيرًا إلى أن هذا ما اعتدناه من شعور الشعب المصري تجاه مصر، خاصة عندما تمر مصر بظروف عصيبة. ولفت إلى أن الحكومة أحست أنه من خلال الوطنية الجارفة وخطورة اللحظة الراهنة من الممكن للشعب المصري أن يتكاتف حول مشروع قومي، خاصة إن كان المشروع يعبر عن أحلام وطموحات صعبة في قناة السويس، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه إذا تم تطبيق نفس النهج في مشاريع أخرى، فستبوء بالفشل، وإذا حاولت الحكومة مجرد التفكير في هذا، فسيعني ذلك عدم الوعي الكافي لديها، خاصة أن الشعب المصري يرى أن هذا المشروع مشروع تاريخي، والمشروع التاريخي يكون واحدًا وليس مشاريع؛ إذ لا بد أن تتجه الدولة في كل قرن نحو مشروع واحد يكون مشروع التاريخ. وأوضح الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي أن الشعب أصبح يعلم جيدًا الاقتصاد، ويعرف أيضًا مكاسب ما يفعله، مشيرًا إلى أن شهادات استثمار قناة السويس عملية مزدوجة، فهي تعطي مزايا متعددة: عائدًا مرتفعًا جدًّا بنسبة 12%، وهذا العائد يصرف كل ربع سنة، ويستطيع الشخص الاقتراض بثمنه حتى 90%، ونستطيع إبداله بعد عام، نستطيع المهاداة به "وهبه لمن نريد"، يستطيع رجل الأعمال من خلاله فتح باب ضمان لقروضه. وأضاف أن هذا أيضًا يتواكب مع إحساس الفقراء بأنهم يساهمون في بناء قناة السويس الجديدة ويلبون نداء الرئيس السيسي، ويشاركون في صنع مصر الجديدة. وأشار إلى أن هناك دلالة أخرى وهي وجود أموال داخل مصر في ظل الأحاديث حول فقر المصريين، وهو ما يؤكد أن نسبة كبيرة من الشعب تمتلك قدرًا من المال. وعن تكرار التجربة أكد عبده أنه ليس بالضرورة أن تتبع الحكومة نفس النهج في تمويل مشروعات أخرى؛ لأن هذا المشروع يوفر 12 % عوائد على مدار خمس سنوات، يعطي 60% من قيمة الشهادة المستثمرة؛ لأن قناة السويس ستوفر إيراداتها حوالى 5,2 مليار جنيه، ستتضاعف بنسبة 259%، وباعطاء المستثمرين 12% سيعطي 247%، ولكن في مشاريع أخرى لن تحقق هذه الأرباح المهولة. وعقب الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة أن هناك دلالتين أساسيتين يمكن أن نستشفهما من ارتفاع شهادات استثمار قناة السويس. الدلالة الأولى أن هناك ثقة في الحكومة الحالية وفي قدرة هذه الحكومة على العبور بالبلاد من الأزمة الراهنة، والدلالة الثانية هي رغبة الشعب المصري في مساعدة البلاد على الخروج من أزمتها والإحساس بأن هناك حاجة للمشاركة، خاصة أن العائد مُجزٍ جدًّا، وبالتالي فإن الدولة جادة في أن تشارك المواطنين ليس فقط في الأعباء، وإنما أيضًا في المشاكل المحتملة. وتابع أن هذا دليل واضح جدًّا على التفاف الشعب المصري في اللحظات الحرجة حول الفكرة الصحيحة القادرة على إخراج البلاد من الأزمة التي تعبرها أيًّا كانت الأزمة.