إن القراءة الواقعية لما يحدث في المنطقة العربية من إرهاب، تطرف مذهبي وولادة " إمارات " في كنف الدول الإقليمية، توصلنا إلى مقاربة مفادها أن التقارب المصري- الإيراني- السعودي والمصالحة العربية العربية، أصبحا ضرورة من أجل الحفاظ على الدول الاقليمية على الأقل بشكلها الحالي. ولّد التقارب السعودي – الإيراني إنعكاسات إيجابية في المنطقة وساهم في التسريع من وتيرة التفاهمات الإقليمية (حمزة جمّول – تغييرات في المشهد الاقليمي من البوابة العراقية – صحيفة رأي اليوم الإلكترونية 16 آب 2014 ). من هذا المنطلق، نقرأ ولادة الحكومة في لبنان، تعيين رئيس الحكومة العراقية، تنحية المالكي والإعتراف الإقليمي بشرعية الرئيس بشار الأسد المتمثّل بالتوقف عن المطالبة بتنحيه. يقوم التقارب الإيراني المصري على قراءة تتشارك بها كل من طهرانوالقاهرة مفادها؛ تأجيل النقاش في الخلافات والتوحد في مواجهة التهديدات المشتركة. يسعى أتباع هذه القراءة إلى الإسراع في بث الرسائل الإيجابية والتصاريح العلنية التي تنادي بضرورة التقارب والتعاون وبأهمية الملفات التي تجمع البلدين والتي تصل الى مصاف تهديد الأمن الوجودي المشترك وإستمراية حضورهما الجيوسياسي والمتمثل في الآتي : أولاً : الملف الفلسطيني. تُعتبر القضية الفلسطينية ولإعتبارات إستراتيجية، دينية، أيدولوجية وسياسية، من القضايا التي تدخل في صلب السياسة الخارجية لكل من القاهرةوطهران خصوصاً بعد العدوان الصهيوني الأخير والإنقسام الخطير بين الفصائل الفلسطينية وبالأخص حماس وفتح. (المحاضر المنشورة في صحيفة الأخبار اللبنانية – العدد 2382 و 2386 – 2014). تسعى طهران من خلال تقاربها مع القاهرة إلى ضمان إستمرارية القضية الفلسطينية والعمل على تحييدها عن لعبة المحاور الإقليمية التي تهدد مستقبلها. لم تتغير القناعة لدى محور المقاومة حول أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في القضية الفلسطينية بل أكثر من ذلك، يعتقد محور المقاومة انه لا يمكن "مساعدة " القضية الفلسطينية إلاّ من خلال البوابة المصرية، تماماً كما يقول أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، " إذا كنت تريد مساعدة غزة فإنه يجب ان تحكي مع مصر، والفلسطينيون أنفسهم يقولون إن أي حل أو تسوية غير ممكنة بمعزل عن مصر"، (مقابلة أجرتها صحيفة الأخبار الللبنانية مع سماحة السيد حسن نصرالله- العدد 2368 الخميس 14 آب 2014). ثانياً: محاربة الارهاب. يتولى ملف محاربة الإرهاب أولوية لا تقل أهمية عن أولوية الدفاع القضية الفلسطينية. تؤمن القاهرةوطهران ان الإرهاب المتمثل في "داعش" وُجد أصلاً للقضاء على أي مسعى إقليمي إلى لم شمل الأمة العربية والإسلامية حول فلسطين من خلال تمزيق الدول الإقليمية المركزية الفاعلة. دفع التقدم الميداني ل " داعش " ولاحقاً الإعلان عن " دولة الخلافة الإسلامية " في العراقوسوريا واقترابها من الحدود الإيرانية السعودية، إلى الاسراع في وتيرة التقارب الداعي إلى تشكيل حلف إقليمي يواجه داعش وأخواتها. ضمن هذا السياق، تُفضّل طهران التنسيق والتعاون مع كل من مصر والسعودية على التشاور مع الولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب إنعدام الثقة مع الامريكي وعملاً بمبدأ الإقليمية الذي تتبناه السياسة الخارجية الايرانية. في الجهة المقابلة، تعمل القاهرة على تعزيز نظرية الإبتعاد التدريجي عن الولاياتالمتحدةالأمريكية والتقرّب التدريجي من روسيا وإتّباع سياسة " الحذر" في العلاقة مع واشنطن. ثالثاً: الملف السوري . يعتبر الملف السوري المفتاح الرئيسي لحل الخلافات العربية العربية ولا يمكن توقع أي مصالحة عربية عربية من دون اي معالجة للملف السوري. إن التشاورات السعودية الإيرانية والتقارب الإيراني المصري، هما بمثابة الإعلان عن بدء مرحلة إقليمية جديدة تبدأ في إنجاز خطة طريق مصالحة عربية عربية من بوابة القاهرة – دمشق وإقليمية من بوابة طهران – الرياض. إذاً، لا يدخل في عداد المفاجآت والصدف تصريح علي أكبر ولايتي مستشار السيد خامنئي الذي قال ان " إنتصار الشعب الفلسطيني تحقق بسبب صموده وبسبب الدعم المصري ". يفيد هذا التصريح أننا دخلنا فعلاً في مرحلة متقدمة من هذه المصالحة التي كان قد بدأت بطرحها الإدارة المصرية بالتشاور مع الإدارة السورية منذ إستلام الرئيس السيسي السلطة.(الرئيس عبد الفتاح السيسي رفض وحذّر من أي تدخل للجيش المصري في سوريا خلال فترة حكم محمد مرسي) يعبّر التقارب المصري الإيراني المدعوم سورياً، سعودياً وإماراتياً عن رغبة جميع هذه الأطراف في خلق أجواء سياسية إيجابية تساهم في التخفيف من حدّة التوتر الإقليمي، القضاء على أي فرصة لتمدد التطرف المذهبي وإعادة ترتيب البيت الإقليمي خارجاً عن الرعاية الامريكية. إذا سرت الأمور في هذا الإتجاه ستكون واشنطن المتضرر الأكبر. تلقّت السياسة الأمريكية مؤخراً لكمات متعددة (الملف السوري، الملف النووي الإيراني، التقارب المصري الروسي، التقارب السعودي الإيراني المصري) على المراكز الحساسة لحضورها في الشرق الأوسط، حتى أصبح يُطلق عليها الخبراء في أمريكا مصطلح " العملاق الجريح "، (روزا بروكس – فورين بوليسي – 29 آب 2013 ). إن إستمرار هذه اللكمات وتنظيم تزايد وتيرتها سيؤدي بالتأكيد الى إضعافها وخسارتها لجولات قادمة في معركة الشرق الاوسط. إن العودة إلى قصة ديفيد وجوليات والحجر فيها الكثير من العبر مع مفارقات واقعية؛ أمريكا لم تعد عملاقاً كجولياث والأمة العربية والإسلامية موحّدة ليست صغيرة كداوود ولم يعد سلاحها الحجر . حمزة جمّول – باحث لبناني في إدارة الصراعات الدولية twitter: @jammoul_hamze