«عندما كنت صغيراً، كنا نسكن بقرب جامع السلطان حسن، وكان الترام الذي يمر في الشارع الكبير –عندما يدور بجوار الجامع– يصدر صوتاً عظيماً، وكان سائق الترام عندي أعظم وأهم رجل في العالم، لأنه يقود هذا الوحش العملاق المهيب، وظللت أتمنى أن أصبح سائق ترام عندما أكبر، وكبرت ولكني لم أتمكن من أن أكون سائق ترام بل ولم أستطع حتى أن أتعلم قيادة السيارات، لكني تعلمت الرسم وأصبحت مجرد رسام».. قالها صانع الكتب الفنان الراحل محيي الدين اللباد، الذي تمر اليوم ذكرى وفاته، وهو أحد أهم أقطاب فن الكاريكاتير في مصر في الفترة التي عمل بها بمجلتيّ روزاليوسف وصباح الخير، رب الريشة والقلم كما أطلق عليه الناقد الفني الدكتور على الراعي. الدكتور علي الراعي لم يتوقف عند وصفه رب الريشة والقلم، بل وشبه في كتابه «عن الكاريكاتير والأغاني والإذاعة» نظرة الفنان اللباد الثورية لفن الكاريكاتير بنظرة الأديب برنارد شو لفن الكوميديا في المسرح، إذ رأي اللباد ميلنا إلى تصوير الحمق والحمقى، ونسعى إلي عرض نوادرهم علي الأنظار في مختلف أشكال التعبير: الرسم، والمسرح، والحكاية والكرتون، ويلاحظ أننا بهذا الاهتمام نرفع عن أنفسنا الاتهام بأننا قد نكون بدورنا حمقى. وعن الطفولة وتقدير الطفل كتب اللباد الكثير والكثير من المقالات، وظهر اهتمامه ذلك في العديد من الكتب التي ألفها ورسمها للطفل، كان يحترم بشدة الطفل داخل كل واحد فينا، ويرجو ألا نتركه يموت داخلنا وأن نفسح له المساحة للتعبير عن رأيه والاستمتاع بالحياة ببساطة، وكذلك أن نعطي أطفالنا الحرية لاختيار حياتهم وألا نقتل إبداعهم ونضيق آفاقهم بالأوامر والنواهي والحواديت الموجهة النمطية بأغراض تربوية تخنقهم. يقول الراحل عن علاقته بابنه الفنان أحمد اللباد: "لقد حرصت على أن أبتعد عنه وأن أتركه يتطور على خطوط من صنع نفسه، فإن سلطة الأب وسلطة (الأسطى) المتمثلة في شخصي كانت كفيلة بأن تعوق تقدمه". ومن الحكايات الظريفة التي يحكيها لنا اللباد ما لاحظه في فترة الانتخابات في الثمانينات وما حملته الملصقات الانتخابية من رموز بصرية سخيفة اختارتها البيروقراطية للمرشحين تحايلا على مشكلة الأمية في بلادنا، حيث اكتشفت وزارة الداخلية حينها فجأة أنها بحاجة إلى 100 رمز بصري حيث وصل عدد المرشحين الفرديين في بعض الدوائر إلى 94 مرشحا للدائرة الواحدة، المهم كيف حلت وزارة الداخلية هذا المأزق؟ توجهت إلى المطابع الأميرية في إمبابة ليتعاونوا مع بعض المسئولين في المطابع في اختيار الرموز البصرية المطلوبة، وكان مصدرهم هو: كتب الأطفال والعلوم (أخبار اليوم – 28/ 3/ 1987)، وبهذا امتلأت ملصقات ويافطات المرشحين برموز من شاكلة: كنكة، سلحفاة، شاكوش، جمجمة، ساطور، مفك، حدوة حصان (أو حمار).. إلخ، ما أدى إلى كثير من الشكاوى من التحيز وعدم الاحترام، إذ ثار المرشح الذي أعطوه رمز لمبة الجاز بينما أعطوا لمنافسه رمز النجفة الكهربائية، أو بين من حمل رمز السلحفاة ومنافسه يحمل رمز القطار. ظلت كتاباته ورسومه وتصميماته تشير بوضوح إلى قدرته على العمل دون أدني شعور بالنقص أمام الفنان الغربي، وقد أثبتت الجوائز العديدة التي نالها في مهرجانات عالمية دليلا على فرادة مشروعه وتميزه علي الصعيد العالمي، إذ كانت كتابات اللباد عن "هوية الحرف العربي والعلامات البصرية العربية تنطلق من إحساس بالثقة أكثر من أي شيء آخر، لذا ففي أول رحلة عمل إلي أوروبا أوائل السبعينيات قال بسخرية: عشت وكأنني أرتدي عمامة صغيرة وبرنيطة في الوقت نفسه.