عندما أعلن اللواء رئيس هيئة المترو عن رفع سعر تذكرة المترو دون دراسة، ودون استشارات، وفي وقت لا يستطيع أحد أن يبرر هذا القرار، وحدث ماحدث من ردود فعل وصلت الي درجة السخرية أو شر البلية، كان التصرف السريع من سيادة اللواء هو التراجع عن قراره مبررا هذا بأن الرئيس السيسي رفض القرار، وكأنه علينا في كل قرارات للسلطة التنفيذية، وفي غياب البرلمان، علينا انتظار الرئيس، أو كأن من يصدرون القرارات ليس لهم علاقة بهذا الشعب ولا بالثورة التي قامت في هذا البلد، ربما يكونوا علي قدر من الكفاءة المهنية أو التخصص الذي نسميه التكنوقراط، وربما لا يكونوا، ولكن المؤكد أن من يصدر قرار برفع سعر تذكرة المترو لا يعرف في السياسة ألف باء، لان ألف باء معناها أن المترو هو وسيلة انتقال القطاع الأوسع من المصريين الذين لا يملكون سيارات خاصة وليس لديهم القدرة علي الانتقال بسيارات الأجرة، وأن سعر التذكرة المنخفض يأت في إطار ما نسميه البعد الاجتماعي الذي يعلي مصالح الشعب أو أغلبيته علي شروط الربح أو شروط السوق، فالمترو ليس مشروع خاص مثله مثل الصحة والتعليم، وأشياء أخري تعرفها الآن الدول الرأسمالية مثلما تعرفها الدول غير الرأسمالية، ما يعنيني من قصة رئيس المترو هي انه في انتظار الرئيس أو توجيهات الرئيس ونحن أيضاً في انتظار الرئيس، والمعنى أيضاً ان الارتباك سيد الموقف، والمعني أيضاً أن مؤسسات الدولة المصرية لا تديرها نغمة واحدة، وليس لها رسالة واحدة، وأن البوصلة تائهة. وعندما بدأت الهجمة الجبارة علي الباعة الجائلين، وتم تنظيف منطقة وسط البلد، وعادت الي أجمل واكثر رونقا مما كانت، ورغم ضيق الناس من الباعة الجائلين، ومن طريقة الاستيلاء عليها ،وتحويل وسط البلد الي ممر قبيح ومشوه ينم عن حالة من الفوضي والقبح والبلطجة، رغم كل هذا، ورغم الارتياح من عودة القبضة الأمنية علي هؤلاء الذين لم تعن لهم الثورة إلا المزيد من الفوضي، إلا ان الارتباك أيضاً كان سيد الموقف وسيد القرار، وتحول القرار رغم أنه قرار صحيح الي قرار مثير للمظلومية لهؤلاء الغلابة الذين لا يجب أن نضيق عليهم سبل الرزق بالنقل الي أماكن معزولة، ولا تعني لهم إلا فقدان الزبون الذي سيبحث بالطبع عن وسط البلد، وللمرة الثانية يتحدث الرئيس عن الباعة الجائلين وعن القرار الذي لم يراع حالتهم ولا مدي مناسبة المكان الذي نقلوا إليه، وعن أنهم غلابة ومظلومون وأن القرار جاء غير مدروس، للمرة الثانية أيضاً ننتظر الرئيس وكأن من أصدر القرار يعمل في بلد أخري، وكأن مؤسسات الدولة ليس لها علاقة بالثورة التي قامت ولا بالرسالة التي يجب ان تصل للناس ،وان البوصلة تائهة أيضاً، نحن ننتظر الرئيس وهم أي التنفيذيون ينتظرون الرئيس أيضاً. أما الثالثة فقد كانت الإعلان عن تأجيل الدراسة في الجامعات، وأعلن المسئولون ان من أسباب تأجيل الدراسة الحالة الأمنية، أو تجهيز المدن الجامعية، أو التحاق الإجازة الصيفية بإجازة عيد الأضحي، كل هذه الأسباب لا تعني إلا أن الارتباك سيد الموقف، خاصة عندما تأتي هذه القرارات في نفس الوقت الذي تحاول فيه مصر من خلال سفاراتها في العالم تقديم صورة لبلد مستقر، يستطيع السائح ان يذهب اليه وهو غير مهدد ونكاد نتحايل من أجل عودة السياحة، للمرة الثالثة أيضاً تشعر أن من يقرر تأجيل الدراسة بسبب الحالة الأمنية كأحد الأسباب ليس له علاقة بمن يطرق الأبواب من أجل السياحة، وأن من يقرر ليس له علاقة بالثورة التي قامت، وأن البوصلة تائهة، وان الارتباك سيد الموقف، ومن أصدر القرار ربما ينتظر الرئيس الآن ونحن أيضاً ننتظر الرئيس.