(1) "لقد أصبحوا الآن على الخارطة، وربما لن يكون أمامنا من حل غير معالجة موضوعهم" هكذا تحدث رابين بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987-1988 لأحد أعضاء الوفد الأمريكي المشارك بالمفاوضات قبيل مؤتمر مدريد، لم تكن هناك اتصالات بين الأمريكيين وأصحاب النكبة، إلا في نطاق محدود جدا بدأ في السبعينيات حول بعض القضايا، أغلبها متعلق بالشؤون الاستخباراتية والأمنية، إلا أن ما أحدثته الانتفاضة الفلسطينية الأولى -على ضعف جاهزيتها- أحدث نقلة في نظر الجميع للقضية. (2) بزمن النضال كتب نزار قباني ولحن عبد الوهاب وغنت أم كلثوم: أصبح عندي الآن بندقية.. إلى فلسطين خذوني معكم.. إلى رُبىً حزينة كوجه المجدلية.. إلى القباب الخضر والحجارة النبيَّة.. عشرين عاما وأنا أبحث عن أرضٍ وعن هوية.. أبحث عن بيتي الذي هناك عن وطني المحاط بالأسلاك.. أبحث عن طفولتي وعن رفاق حارتي، عن كتبي، عن صوري، عن كل ركن دافئ وكل مزهرية.. إلى فلسطين خذوني معكم.. يا أيها الرجال أريد أن أعيش أو أموت كالرجال. (3) بدا للإسرائليين أن استمرار الضغط الحاصل قبل 87 سيرفع تكلفة الصراع إلى حد غير مسبوق حينها، وللمجتمع الدولي أن التجاهل للقضية لم يعد يفيد، خاصة مع بلوغ الاحتجاج منحى ملحوظا، والأهم لأصحاب الأرض أنهم أيقنوا أن المقاومة هي الحل. لم يثبت في التاريخ أن محتلا خرج طواعية، بل بالقتال المباشر أو الاستنزاف، وتلك النتيجة بلغت حدا تجاوز التحليل السياسي والممارسة الدبلوماسية، فالمشاهَد عبر التاريخ كله الخروج القسري للمحتل، وكذلك فعلنا مع الانجليز ومع العدو الصهيوني، واليوم أصبح البعض يحرم المقاومة على غزةوفلسطين كلها. متى تسلل خطاب الذل والنذالة بأن التحرر ثمنه الدم دون جدوى والأسلم الرضا بالواقع، متى انكسرت الأعين وانحنت الهامات حتى يخرج ذلك الخطاب من بيننا ويلاقي قبولا؟ بمَ أخرجنا الانجليز، وبمَ أخرجوا العدو من الجنوب اللبناني والقطاع؟ إن كان ثمن التحرر الدم، فما ثمن الاحتلال والمهانة والظلم؟ وما ثمن البقاء والوطن وأهله ما بين القتل والأسر والإبعاد والانتهاكات التي لا حد لها، لا يرهب المحتل إلا الألم، ولا يوقفه إلا السلاح. (4) أصبح عندي الآن بندقية.. قولوا لمن يسأل عن قضيتي بارودتي صارت هي القضية.. أصبح عندي الآن بندقية.. أصبحت في قائمة الثوار.. أفترش الأشواك والغبار وألبس المنيّة.. أنا مع الثوار أنا من الثوار.. من يوم أن حملت بندقيتي صارت فلسطين على أمتار. (5) هذه المنطقة عصفت بها تحولات عدة ولم تتوقف محاولات تجريف ثوابتها وقيمها، إلا أنها استعصت على كل ذلك، بل خرجت في أكثر من دولة ثائرة لتكسر ما كان مرادا لها، وفي قلب الثورات كانت قضية فلسطين حاضرة بل ودافعة للتحرر الوطني، وكان من ضمن مقاييس الوطنية مدى التوافق مع مطالب القضية، وكانت ألسنة المتصهينين العرب مقطوعة، ثم خرجت الآن لتصوغ خطابا انهزاميا وتحريضيا على المقاومين، لم نسمعه حتى في أقصى مراحل انبطاح الأنظمة المخلوعة. اضطر الإسرائيلي يوما للتفاوض وكانت المقاومة بالحجارة، أما اليوم فقد تغيرت المعادلة تغيرا جذريا، ولم يعد المقاومون ينتظرون ما يُلقى إليهم بل يضعون الشروط والمطالب ويوقفون النار عندما يرون الوقت مناسبا، أصبحت المقاومة أكثر نضجا وشراسة، وسيظل السلاح هو المسار الوحيد لضمان تنفيذ المطالب وإنهاء الاحتلال فيما بعد، وستبقى المقاومة -بكل فصائلها- مصدر عز وشرف لكل مؤمن بها. (6) في فلسطينالمحتلة قتلوا رابين. (7) يا أيها الثوار.. في القدس، في الخليل، في بيسان، في الأغوار، في بيت لحمٍ، حيث كنتم أيها الأحرار تقدموا.. تقدموا.. إلى فلسطين طريق واحد يمر من فوهة بندقية.