قبل عام كانت أولى أزمات مسلسل "سرايا عابدين"، قبل بدء تصويره بشهور، عندما تقدم الكاتب مصطف محرم بشكوى لنقابة السينمائيين المصريين، متهمًا مؤلفة "سرايا عابدين" الكاتبة الكويتية هبة مشاري بسرقة فكرة ومضمون مسلسله "عصر الحريم" الذي كان مقررًا إنتاجه وقتها من إخراج إيناس الدغيدي. وفي نوفمبر الماضي عقدت نقابة السينمائيين مؤتمرًا صحفيًّا بحضور لجنة شكلتها؛ لبحث شكوى محرم، وبعد قراءة قصة وسيناريو العملين برأت اللجنة التي ضمت المخرجين محمد كامل القليوبي ومحمد فاضل والناقد والكاتب رؤوف توفيق "هبة مشاري" من شبهة سرقة سيناريو مصطفى محرم. وذكر المخرج محمد فاضل في تقريره أنه "لا يوجد أى تشابه فى الشخصيات أو الأحداث بين المسلسلين"، مؤكدًا أن الحقبة التاريخية جاءت كخلفية للحلقات الأولى ل "عصر الحريم"، منتقلاً لعصر الخديوِ توفيق ثم الخديوِ عباس حلمي، بينما اعتمدت كاتبة "سراي عابدين"، وحتى الحلقة العشرين، على أحداث عصر وشخص الخديوِ إسماعيل، وجعلته الشخصية المحورية، ودارت النسبة الأكبر من أحداث الحلقات في "سراي عابدين". وفي الوقت الذي أشاد فيه المخرج محمد فاضل بمستوى المسلسل، متنميًا سرعة إنجازه ليشاهده الجمهور، أبدى الناقد رؤوف توفيق، في تقريره الخاص، استياءه من افتقاد سيناريو مسلسل "سرايا عابدين" للسيناريست هبة مشاري لروح التعبير عن روح العمل الأصلي – الرواية – المعد عنها، والتي كتبتها قوت القلوب الدمرداشية باسم "رمزة"، مشيرًا إلى اكتفاء كاتبة "سراي عابدين" بالزخارف الجانبية لحركة الكاميرا، وهو ما يدخل في صميم عمل المخرج، فضلاً عن استهلاك وقت الحلقة فيما لا يفيد المشاهد، دون تقديم إضافة جديدة، وهو ما يؤدي إلى الملل وبطء الإيقاع. كان الناقد رؤوف توفيق واعيًا وهو يقرأ حلقات العمل، وأول من تنبه لتواضع مستوي المسلسل، بينما كان المخرج د. محمد كامل القليوبي، العضو الثالث في اللجنة، مدركًا أن "سرايا عابدين" تتركز أحداثه وقصصه كلها على جواري الخديوِ إسماعيل وصراعاتهن لنيل إعجابه، مع التركيز على عالم الحريم ومؤامرات زوجات الخديوِ وألاعيبهن، ومرحلة طفولة توفيق وفؤاد ورشيد أبناء إسماعيل، وصراعات أمهاتهم كي يصبح كل منهم حاكمًا لمصر، بحسب ما أورده في تقريره؛ ليكون أول من تنبه لحقيقة أن المسلسل لا يسرد لفترة زمنية هامة من تاريخ مصر بقدر ما يعرض لحياة الخديو الشخصية. المسلسل الذي تجاوز أزمته الأولى بنجاح؛ ليفلت من تهمة السرقة، مرت مراحل إنتاجه التالية بسلام؛ ليقع في فخ تزييف التاريخ، والتعرض للحياة الشخصية لإسماعيل "خديوِ مصر"، والتي من المؤكد أن أحدًا غير الخديوِ نفسه وأفراد أسرته ومن كانوا من سكان القصر لا يعرفها بكل هذه الدقة الواردة في حلقات "سرايا عابدين". من منا يمكنه أن يعرف تفاصيل دقيقة تمت في كواليس وغرف القصر والحياة الخاصة لإسماعيل وجواريه وأمه الملكة "خوشيار"؟! في "سرايا عابدين" يتداخل الخيال مع التاريخ، وهو ما يقع فيه معظم كتاب الدراما الذين لا يدركون أنهم يتناولون شخصيات حقيقية لا متخيلة، بما لا يعطيهم الحق في التعرض لما هو شخصي في حياتهم؛ لأن كل ما هو شخصي ليس دقيقًا، ومؤكد أنه ليس حقيقيًّا بالمرة، ومن الخطأ أن يخلط الكتاب بين "المتخيل" و"الحقيقي"، عندما يقررون تناول حياة شخصيات ترتبط حياتها بتاريخ شعوب، وهو الأمر الذي لا يمكن تجاهله في حالة التصدي لدراما تستقي أحداثها من الواقع، للكتاب أن يفعلوها عندما يقدمون أعمالاً من نسج مخيلتهم الخاصة. وعلى ما يبدو فإن "سرايا عابدين" لا يود أن تنتهي حلقاته التي نشاهدها حاليًّا دون استمرار إثارة الأزمات من حوله، ما بين رفض المؤرخين للعمل، وإتهامهم له بتزييف حقائق تاريخية لا تقبل النقاش، وصولاً إلى إعلان أحمد فؤاد، نجل الملك فاروق، رفضه للمسلسل في بيان حاد نشره عبر صفحته الشخصية علي موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيس بوك"، قال فيه إنه تابع المسلسل ظنًّا منه أنه سيكون منصفًا لتاريخ الخديوِ إسماعيل باشا، وإبراز أعماله وإنجازاته التي قام بها من أجل الوطن، إلا أن المسلسل إمتلأ بالمغالطات التاريخية والجغرافية والخلط بين الشخصيات، مشيرًا إلى أن "هذا الأمر ينم عن جهل شديد بتاريخ أفراد الأسرة المالكة وبتاريخ الوطن". وأهاب فؤاد في بيانه بالسلطات "التدخل لوقف هذه المهزلة التي تمس سمعة مصر وتاريخها وتخل بصورتها أمام أبنائها والأجيال القادمة التي سيترسخ في ذهنها ما جاء في المسلسل من أكاذيب مختلقة على أنها حقائق دامغة وأحداث ثابتة وتاريخ موثق". مؤكد أن أزمات "سرايا عابدين" لن تتوقف عند هذا الحد، وهو ما ربما يتكشف خلال الأيام القليلة المقبلة، رغم تحقيقه لنسب مشاهدة مرتفعة، تتصاعد كلما زادت حدة الهجوم علي المسلسل.