"أصحى يا نايم وحد الدايم .. وحد الرزاق … رمضان كريم" … كلمات ما تزال تصدح في شهر رمضان بأحياء وشوارع محافظة السويس من خلال طبلة وعصا يترنم بالعزف عليها المسحراتي، رغم التطور التكنولوجي يطل علينا المسحراتي متجولًا في حواري وشوارع المحافظة ليوقظ الناس لسحور رمضان بضرباته على الطبلة الخاصة به مع ترديد بعض العبارات التي تضفي جوًا روحانيًا ويختتمها ب "رمضان كريم" . رغم مرور مئات السنين على مهنة "المسحراتي" إلا أن النكهة الرمضانية لا تكتمل بدونه في محافظة السويس كسائر المحافظات المصرية، وبات طقسًا معروفًا في أيام الشهر الفضيل، حيث يستيقظ الصائمون على صوت طبلة المسحراتي، ليبدئوا بالتحضير لتناول وجبة السحور، وهو من الواقع الجميل في التراث العربي والإسلامي في مصر وبلاد الشام، سوريا، الأردن ولبنان . "عم جودة" أقدم مسحراتي بالسويس ينطلق في رحلته بمناطق "السادات وكفر أحمد عبده وكفر شارل" ليدعو الناس إلى سحورهم بطريقته الخاصة على وقع جملة "إصحى يا نايم وحد الدايم"، واعتاد الأهالي بهذه المناطق أن يستيقظوا لتناول وجبة السحور قبل آذان الفجر على صوت "الطبلة" الخاصة ب "عم جودة"، والتي ينتظروها كل عام في شهر رمضان . في البداية يقول "جودة خليل علي" 72 سنة ، والذي يبدأ جولته الليلية في الأحياء الشعبية بالسويس من كفر شارل "ارتبط السحور بشهر الصيام، ومهمة المسحراتي إيقاظ أهل الحي الذي كلّف به لتناول طعام السحور، وهو طعام مبارك حثّ عليه الرسول "صلى الله عليه وسلم" فقال: "تسحروا فإن في السحور بركة"، لافتًا إلى أن وظيفة المسحراتي تفوق أي وسيلة حديثة لإيقاظ الصائم، لما لها من "روحانية وقدسية دينية" . ويتابع "عم جودة" حديثة قائلًا "أعمل في مهنة المسحراتي منذ أن كان عمري 17 سنة، وأجول الأحياء الشعبية لأنني ارتبط بها وأصبح أهالي هذه المناطق ينتظروني كل عام" . وعن طريقة عمل المسحراتى يقول "عم جودة" أنه يبدأ العمل مع أول يوم من رمضان، وينتهي مع نهايته، مرددًا "الناس زمان كانوا بحاجة إلى المسحر بسبب عدم وجود وسيلة لإيقاظهم لتناول طعام السحور، ورغم التطور الموجود في العصر الحديث، وتنوع وسائل الإيقاظ من منبه وتلفاز وهاتف وجوال، إلا أن المسحراتي ما يزال يقوم بهذه المهمة في الأحياء القديمة في المدن والأرياف، وبعض الأحياء الحديثة أيضًا للمحافظة على التقاليد" . لافتا إلى أن الناس ما يزالون ينتظرون سماع صوت الطبلة ويطربون لصوتها رغم أنه يجد الكثير منهم مستيقظ أمام شاشات التلفاز وفى الشوارع ولكن كثرة انقطاع الكهرباء هناك أعاد إلى هذه الأحياء أجواء رمضان القديمة، حيث يضيء الأهالي الشموع ومصابيح الغاز عوضًا عن الكهرباء . ويتابع "عم جودة" أنه عادة ما يخرج من منزله قبل موعد أذان الفجر بساعتين، لينادي في الحي الذي اختاره بترديد جملة " إصحى يا نايم وحد الدايم"، والتي تختلط أحيانًا ببعض المواويل وأغاني التراث الخاصة بشهر رمضان . وعن الطريقة التي يتم على أساسها تقسيم الأحياء بين المسحرين، يشير إلى أنه لكل حي من أحياء السويس مسحر أو أكثر بحسب مساحة الحي وعدد سكانه، ولكنه يفضل القيام بمهمته في الأحياء القريبة من منطقته لمعرفته بهم ولقربهم من منزله . ويستطرد "جودة المسحراتي" قائلًا أنه ما يزال يتمتع بممارسة مهنته في إيقاظ الناس وقت السحور في شهر رمضان المبارك منذ ما يقارب الخمسين عامًا، إلا أن المسحراتي قديمًا كان يطوف على البيوت، للقيام بالكتابة على باب كل بيت أسماء أفراده، حتى يناديهم بأسمائهم أثناء إيقاظهم للسحور، بالإضافة إلى مرافقة المسحر شخصًا آخر يحمل الفانوس الذي اختفى بعد انتشار أعمدة الكهرباء . ويقول"عم جودة" عادة للمسحر ثلاث جولات يقوم بها، جولة يومية اعتيادية تشمل كل الحي لإيقاظ الناس وقت السحور، أما الثانية فغالباً ما تكون يومية تشمل بعض الأحياء بالتناوب لجمع الطعام والمساعدات بما تجود به العائلات من أطعمة، وبعض الناس يجودون بالمال بدل الطعام، أما الجولة الثالثة للمسحر بحسب "عم جودة" فهي أيام العيد لجمع العيديات من الناس، فيقول "نصطحب في هذه الجولة الطبلة التي تعتبر بمثابة الهوية الخاصة لكل مسحر، كما أنه عادة ما يرافقني ابني الذي يساعدني على حمل الهدايا". وينهى "عم جودة" حديثة قائلًا "نحن نحتاج إلى ثورة أخلاق فأكثر المشاكل التي تواجهني خلال عملي هو قيام الأطفال بسبي وقذفي بالحجارة، وأنا لا استطيع الجري بسرعة منهم نظرًا لكبر سني فأصبت بعدد من الإصابات نتيجة هذا، فضلًا عن إلقائهم للألعاب النارية والصواريخ وهو ما يصيبني أيضًا بجروح متعددة بخلاف الفزع الذي تسببه لي هذه الألعاب النارية، مشيرًا إلى أنه تعرض من قبل لجرح كبير اثر قيام أحد الأطفال بإلقاء قطعة من "البلاط" على رأسة أثناء قيامه بجمع هدايا العيد، واستدعى على إثرها نقله إلى المستشفى . ويعود تاريخ المسحراتي في مصر إلى الوالي "بن إسحق" سنة 832ه، وكان يسير على قدميه من مدينة العسكر في فسطاط مصر القديمة، وحتى مسجد "عمرو بن العاص" تطوعًا، وهو ينادي "يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة".. واستمر هذا التقليد أو الطقس مرتبطًا بطقوس الصوم كل عام حتى كادت مهنة المسحراتي تختفي تمامًا في العصر المملوكي لولا أن الظاهر بيبرس أعادها وعين أناسًا مخصوصين من العامة وصغار علماء الدين للقيام بها ليتحول عمل المسحراتي إلى موكب في ذلك الوقت. https://www.youtube.com/watch?v=R4MUID68ch0