في التاسعة صباحا، وقبل أسبوع على 30 يونيو، استيقظ "محمد الهادي" متفائلا بانتصار قد يحققه اليوم، فلملم أوراقه المبعثرة على مائدة صغيرة في منزله المتواضع بشبرا الخيمة، والتقط التحاليل والأشعة وصورا من الأوراق الرسمية، وضعها جميعا في حقيبة بلاستيكية، ثم شد الرحال إلى مستشفى حلمية الزيتون العسكرية، لتسجيل اسمه في كشوف العلاج بفيروس سي؛ ليكون من المبشرين بالشفاء على يد الجيش المصري. استقل المترو دون أن يلعن الزحام وحرارة الجو مثلما يفعل كل يوم، رأى في شفائه «الوشيك» حسنة لبلده تكفي لغفران كل ما مضى من خطايا، وبمجرد وصوله إلى المستشفى سأل عن المكتب الذي يتلقى طلبات المواطنين للتسجيل في الكشوف، وجاء الرد كوقع الصاعقة على الرجل ، بعد أن أخبره الأمن بأنه لا يوجد مكتب لتلقي طلبات المواطنين وأيضا لا توجد كشوف؛ وعلى من يرغب في تسجيل اسمه ان يفعل ذلك عن طريق الاستمارة الإلكترونية الموجودة على الصفحة الرسمية للفريق البحثي للقوات المسلحة. هنا بدأ الرجل وصلة السباب المعهودة من أي مواطن تعطلت مصالحه بسبب خلل ما في مؤسسات الدولة؛ فهو لا يملك كمبيوتر وأبناؤه يعملون في المقاولات وأكثرهم ارتقاء في مراحل التعليم حصل على "دبلوم صنايع"، فكيف يتعامل الأب مع الإنترنت والفيسبوك مثلما طلب منه ضابط الأمن؟ التقط الرجل حاوية الأوراق التي خرج بها من منزله، أدرك أنه إذا أراد العلاج فعليه استكمال رحلة «المرمطة» في المستشفيات الحكومية. في طرقات القصر العيني "الفرنساوي"، وتحديدا في الطابق الثالث أمام العيادات الخارجية، يتراص العشرات في الطُرقة المواجهة لعيادة الكبد وفيروس سي، الكل رجلا أو امرأة، يحمل بين يديه كومة من الأوراق والأشعة التي تشخص حالتهم، وتكشف عن يأس تشبعت به قلوبهم وبدا واضحا علي ملامحهم. محمود طه – 63 عاما، قال إنه يأتي إلى القصر مرة أو أكثر كل أسبوع؛ لمتابعة حالته وتقديم الأشعة والتحاليل المطلوبة، خاصة أنه يعاني من "فيروس سي" وهو أيضا من مرضى السكر، وأمره الدكتور باتباع نظام غذائي معين لكي ينقص وزنه ويبدأ في جرعات العلاج من الفيروس. وأضاف أن الحديث عن اختراع الجيش لا فائدة منه، طالما أنه لم يرى حالة واحدة ظهرت بعد علاجها بهذا الاختراع، لافتا إلى أن القوات المسلحة هي التي اشترطت على نفسها أن تفتح مستشفياتها للمرضى يوم 30 يونيو، وبعد تأجيل العلاج ستة أشهر عليهم أن يتوجهوا باعتذار رسمي لكل مريض تعلق بقشة النجاة ورأى جهازهم هو المُخلص من كل الآلام. واستنكر «طه» اتباع الحكومة أسلوب التسجيل الإلكتروني، في دولة 40% من مواطنيها يجهلون القراءة والكتابة، متسائلا: «يعني لو معنديش حد بيفهم في الكمبيوتر والإنترنت يبقى ضيعت فرصة علاجي؟!»، الحكومة حتى الآن تجهل إمكانات الشعب المصري وظروفه. وقاطعه رجل في العقد الخامس من عمره، بدا من لهجته أنه ليس مصريا؛ وقال إنه من الأردن وجاء إلى القاهرة لكي يجري بعض الفحوصات والأشعة في القصر العيني الفرنساوي، وأن ابنه "مسعد" قام بتسجيل اسمه على أحد المواقع الإلكترونية التي أعلنت عنها القوات المسلحة، وكان ينتظر يوم 30 يونيو لمعرفة "دوره" في العلاج مؤكدا أن أمله في الجيش والإختراع كان كبيرا؛ فقد وعد أهله في الأردن بأن يعود إليهم معافى بعد أن يخضع للكشف والعلاج في "أم الدنيا". وأضاف أنه طلب من ابنه أن يستفسر من الفريق البحثي للقوات المسلحة على صفحتهم الرسمية، وبالفعل ردوا عليه بأنه سيتم معرفة المواعيد والحجز وتحديد أسبقية العلاج بعد المؤتمر الطبي الذي سينقعد نهاية الشهر الجاري. أما زكي القاضي – مسئول لجنة الشباب بالحملة الرسمية للرئيس عبد الفتاح السيسي، فقال إن عدد الأسماء التي تم تسجيلها في الاستمارات الخاصة بالاختراع وصل حوالي ثمانين ألف اسما، كما أعلنت القوات المسلحة أنه تم بالفعل علاج حوالي 1000 حالة وشُفيت نهائيا، من بينهم مرضى بفيروس سي وآخرين ب"الإيدز" . وأكد "القاضي" أن القوات المسلحة ستعلن عن المستشفيات الجديدة التي تم تجهيزها، وعن أماكن تلقي العلاج والآلية التي ستنظم استقبال من سجلوا أسماءهم، لافتا إلى أن الحالات التي تم علاجها حتى الآن خضعت للكشف على أيدي أطباء على أعلى مستوى وكانت رحلتهم العلاجية انتهت بقدر كبير من السرية؛ حتى لا يخشى مصابو الإيدز الإفصاح عن بياناتهم. وفي يوم 28 يونيو قال العقيد طبيب تيسير عبد العال – استشاري المناعة بالقوات المسلحة، وأحد أعضاء الفريق الطبي لاختراع «جهاز علاج فيروس سي»، إنه لن يتم استقبال مرضى من المواطنين في 30 يونيو، وإنما سيتم استقبال عينة محددة لاستكمال البحوث. وأضاف «عبدالعال»، خلال مؤتمر صحفي عقده الفريق الطبي بمجمع كوبري القبة الطبي العسكري، في اليوم نفسه، أن اللجنة الطبية المشرفة على الجهاز أوصت بضرورة توسيع العينة التي يشملها البحث، لمدة 6 أشهر أخرى. وقال مصدر عسكري، إن القوات المسلحة أسست مستشفى متخصصًا للعلاج ب«جهاز الجيش» في مدينة الإسماعيلية، سيتم افتتاحه قريبًا لاستقبال كل الحالات الراغبة في العلاج، على أن يتم تزويد المستشفيات العسكرية ببعض المحافظات بأجهزة جديدة لعلاج المواطنين. تجدر الإشارة إلى أن الاستمارة الإلكترونية بها عدة خانات تتطلب البيانات الآتية، الاسم رباعي، الرقم القومي كاملا، تليفون المنزل، رقم التليفون المحمول، الدولة، المحافظة، الحالة الاجتماعية، الجنس، البريد الإلكتروني، الوظيفة، نوع المرض والملاحظات التي يود المريض كتابتها.