تجمع الأعراف الدبلوماسية على أن الزيارة الأولى لأي رئيس غالبا ما تكون لها دلالات هامة في تحديد ملامح السياسة الخارجية للدولة.. وفي الحالة المصرية يأتي استهلال الرئيس عبدالفتاح السيسي زياراته الخارجية بالجزائر قبل التوجه الى غينيا الاستوائية لحضور مؤتمر القمة الأفريقي والمرور بالسودان في طريق العودة اشارة على أن أولوية مصر في المرحلة القادمة هي تأمين العمق العربي والإفريقي لمصر قبل تنفيذ التعهد بأن التحرك دفاعا عن أمن واستقرار المنطقة لا يستغرق إلا (مسافة السكة) كما قال السيسي في حوار تلفزيوني قبيل الانتخابات الرئاسية. وبين مصر والجزائر علاقات تاريخية بدءا من مساعدة مصر للجزائر في ثورتها ضد الاستعمار الفرنسي وكذلك الدعم الجزائري اللامحدود لمصر خلال حرب اكتوبر عام 1973 الا أن الوضع الراهن يفرض على البلدين تدعيم هذه العلاقات والتعاون فيما بينهما خاصة في الملف الليبي حيث يجمع البلدان حدودا طويلة مع ليبيا التي تشكل حالة انعدام الدولة فيها معضلة أمام الأمن القومي للبلدين. أما قمة لابوا الإفريقية فقد شهدت مجموعة من الإشارات على اعتزام مصر إعادة تواجدها ودورها في القارة السمراء بعد أن مثل العام 2009 ذروة غياب الدور المصري في إفريقيا وتراجعه لصالح إسرائيل. فقد شهد سبتمبر عام 2009 جولة لوزير الخارجية الإسرائيلية أفيجدور ليبرمان في خمس دول إفريقية هي أثيوبيا وكينيا وغانا ونيجيريا وأوغندا. وقد نجح ليبرمان في هذه الزيارة التي رافقه فيها رجال أعمال في مجالات الطاقة والزراعة والمياه وكذلك مسئولون اقتصاديون وعسكريون في تدشين مرحلة جديدة من التغلغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية. وما أعلن عن هذه الجولة كان مبادرات إسرائيلية لحل المشاكل الاقتصادية للدول الإفريقية والاعلان عن مشاريع زراعية خاصة مع اثيوبيا التي توترت علاقاتها مع مصر بعيد هذه الزيارة مع شروع اديس ابابا في بناء سد النهضة على نهر النيل ما يهدد الامن المائي لمصر. وفي ظل هذا الدور المتنامي لإسرائيل في الدول الإفريقية شهدت القمة الإفريقية إشارات على عودة قوية للدور المصري بعد أن غابت مصر رسميا منذ الثلاثين من يونيو 2014 وفعليا منذ سبعينيات القرن الماضي. فعلى هامش هذه القمة التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى بهيلى ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا واتفقا على عدة بنود منها الاستئناف الفوري لعمل اللجنة الفنية الثلاثية حول سد النهضة لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام نتائج الدراسات المزمع إجراؤها خلال مختلف مراحل تنفيذ مشروع السد. وتضمن الاتفاق "أن تلتزم الحكومة الإثيوبية بتجنب أي ضرر محتمل من السد على استخدامات مصر من المياه، كما تلتزم الحكومة المصرية بالحوار البناء مع إثيوبيا والذي يأخذ تطلعات شعب إثيوبيا بعين الاعتبار" وفق ما جاء في بيان صحفي لوزيرا الخارجية المصري والاثيوبي، حيث قال الوزيرإن إن مصر وإثيوبيا اتفقتا على محورية نهر النيل كمورد أساسى لحياة الشعب المصرى واحتياجات الشعب الإثيوبى التنموية، وأولوية إقامة مشروعات إقليمية لتنمية الموارد المائية لمواجهة نقص المياه، فى إطار احترام مبادئ القانون الدولى. وخلال القمة ايضا أعلن السيسي عن إنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في إفريقيا، لإعداد وتأهيل الكوادر الإفريقية، وتدعيم مبادرات جديدة لتنفيذ مشروعات تنموية رائدة في القارة كما من المنتظر أن يعقب هذه القمة زيارات وفود مصرية للدول الإفريقية. ومن هذا يتضح ان تنفيذ مصر لما الزمت به نفسها تجاه حماية الامن القومي العربي كما أعلن السيسي في تصريحه الشهير ب(مسافة السكة) وجدد التأكيد عليه في حفل تخريج دفعات من الكلية الحربية حينما قال ان امن المنطقة أمانة في الاعناق لا يتأتى دون تأمين العمق الإفريقي لمصر خاصة وأن دوائر السياسة الخارجية العربية والافريقية لمصر متداخلة فثلثى الدول العربية تتواجد فى إفريقيا كما أن إعادة الاستقرار للجبهة الداخلية المصرية هو الأساس لأى دور إقليمى يجب أن تلعبه مصر على المستوى الخارجى. [email protected]