من أبرز إنجازات السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة سعيها بقوة نحو استعادة دورها الحقيقى فى القارة الإفريقية، لما لإفريقيا من أهمية كبرى بالنسبة للأمن القومى المصرى. وقامت السياسة الخارجية المصرية الإفريقية بعد الثورة على عدد من الأولويات؛ منها تنشيط العلاقات السياسية مع الدول الإفريقية على المستويات كافة، والاضطلاع بدور نشط فى احتواء الأزمات الإفريقية قبل أن تتفاقم، وعودة دور الدبلوماسية الوقائية، والمشاركة فى حل الأزمات التى تنشب بدور فاعل لا بدور المتفرج، وتبادل المشروعات الاستثمارية والتنموية بين الجانبين. وحظى الملف السودانى والعلاقات المصرية-السودانية فى مرحلة ما بعد الثورة باهتمام كبير؛ حيث إن السودان تمثل عمقا إستراتيجيا لمصر، وأن ما يحدث فيها يكون له كبير الأثر على الأمن والمصلحة القومية المصرية، وأن أمن مصر من ناحية العمق الإفريقى مرهون بأمن السودان واستقرارها؛ لذا تبرز أهمية السياسة المصرية تجاه السودان للحفاظ على استقرارها، وتعزيز التكامل بين الجانبين المصرى والسودانى، خاصة أن أحد الأسباب الرئيسية لتقسيم السودان كان تخاذل الدور المصرى أيام المخلوع فى حل الأزمة. كما كانت أزمة مياه النيل أحد أولويات السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة، لا سيما أن دول حوض النيل -عدا مصر والسودان- كانت قد أكملت توقيع الاتفاقية الإطارية لدول الحوض "اتفاقية عنتيبى" التى يمكن أن تمس الحقوق المصرية فى مياه النيل، كما أنها تتيح لدول الحوض –خاصة إثيوبيا- إمكانية بناء سدود يمكن أن تؤثر فى حصة مصر فى المياه. وجاء التحرك الشعبى فى إطار الدبلوماسية الشعبية بعد الثورة؛ حيث زار وفد مصرى بزيارة لإثيوبيا، وتم الاتفاق على تجميد الاتفاقية الإطارية لدول الحوض، حتى تستقر الأوضاع السياسية فى مصر. ومن منطلق إدراك مصر لأهمية نهر النيل، وأنه شريان الحياة، وساعد المصريين فى التقدم الزراعى والصناعى، وكان هو أساس تكوين المجتمعات العمرانية، كما أن مصر يمكنها الاستفادة من الفرص المتنوعة والمتاحة داخل القارة، توالت البعثات الرسمية والشعبية إلى السودان شمالا وجنوبا ودول المنبع بعد ثورة 25 يناير، وكان من أهم نتائج وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية إلى إثيوبيا أن تم تشكيل لجنة خبراء مصريين وإثيوبيين وأجانب؛ للتأكد من أن سد الألفية سيكون محطة فقط لتوليد الكهرباء، ورحب الشعب الإثيوبى بسياسة مصر الخارجية خاصة ما يتعلق بملف حوض النيل والعودة إلى إفريقيا ودعم جهود التنمية بها. وتعددت سيناريوهات توثيق العلاقات المصرية مع إثيوبيا وأوغندا، برسالة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لرؤساء الدول الإفريقية، التى تؤكد رؤية مصر ما بعد الثورة للعلاقات المصرية-الإفريقية، خاصة تجاه دول حوض النيل ووضع خريطة طريق للتعامل المستقبلى مع ملف النيل ودعم المصالح المشتركة بين دول حوض النيل العشر، وظهرت ملفات متنوعة تؤكد حرص مصر على التواصل مع إفريقيا. وما يدل على مدى العمق الإستراتيجى لإفريقيا لدى السياسة الخارجية المصرية جاءت الزيارة التى قام بها الرئيس مرسى لإثيوبيا لحضور قمة الاتحاد الإفريقى بمثابة تدشين لعودة مصر لأحضان القارة الإفريقية، بعدما غابت القاهرة أعواما طويلة عن عمقها القارى، وبالتحديد منذ عام 1995 عقب تعرض المخلوع مبارك لمحاولة اغتيال خلال زيارة له لأديس أبابا. وفى كلمته أمام قمة الاتحاد الإفريقى، حرص مرسى على تأكيد أن مصر الجديدة مستمرة فى لعب دورها فى دعم الأشقاء الأفارقة؛ لضمان الاستقرار والتقدم، كما أنها راغبة فى دعم التعاون مع دول القارة، من أجل إقامة سوق مشتركة تستغل الموارد المتعددة ومواجهة التحديات المتزايدة. كما أن أحاديث الرئيس مرسى المتتالية اشتمل معظمها على أهمية تعزيز الدور المصرى فى إفريقيا، وكان آخرها فى افتتاح القمة الاقتصادية العربية بالرياض؛ حيث رفض مصر للتدخل العسكرى فى مالى، مؤكدا دعم الجزائر فى موقفها من الأزمة، وطالب القادة العرب بدعم الجزائر ضد أى اعتداء يهدد أمنها، وقال مرسى إن التدخل العسكرى فى مالى من شأنه أن يؤجج الصراع فى المنطقة، ودعا إلى أن يكون التدخل سلميا وتنمويا، وأكد أن مصر لا تريد خلق بؤرة جديدة للصراع الدامى فى وسط إفريقيا من شأنه عزل الشمال العربى عن عمقه الإفريقى.