دون أدنى مجادلة، يمكن القول أن الأوضاع الاقتصادية فى البلاد على درجة متأذمة وصعبة. وهى ليست وليدة اليوم، ولكنها متراكمة، ونتيجة الحصاد المر لتخبط السياسات، وغياب الرؤى الاستراتيجية، والأهم، عدم الإنحياز للغالبية الساحقة من جماهير الشعب. وفى هذا السياق، تأتى عدم اعتماد رئيس الجمهورية للموازنة العامة الجديدة، والطلب من الحكومة إجراء تعديلات جوهرية عليها، وهو ما سيكون بالطبع . فالعجز صارخ، وإجمالى الديون بلغ 2,1 تريليون جنيه. وقد شرعت الحكومة الحالية فى فرض بعض القرارات التى من شأنها زيادة معاناة المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود، فما بالك بالمهمشين . فبالإضافة لرفع أسعار الكهرباء والمياة والغاز، بنسبة 30 % وبما يفوق الزيادة المقررة للمرتبات والمعاشات، سوف تطبق الحكومة زيادة ملحوظة فى أسعار الوقود، والتى حتماً ستصب فى مجرى تصعيب ظروف الحياة . والملاحظة أن هذه الحكومة، والرئيس الجديد، رغم ما له من شعبية ، وتعلق عليه الكثير من الأحلام والطموحات، لم يتطرقا لموارد معروفة، كثيراً ما تحدث عنها الخبراء فى مجال الاقتصاد لتنمية موارد الدولة ، والمساعدة فى محاولة الخروج من عنق الزجاجة، بطريقة لا تزيد من معاناة المواطنين البسطاء. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، تأتى الزيادة المتوقعة فى أسعار الوقود لتتسبب فى مشكلات متوقعة عديدة، خاصة سيارات التاكسى، والذى نتيجة صعوبة وسائل النقل العام لم تعد رفاهية، وبطبيعة الحال سوف يتحمل المواطن ممن يتعامل مع " التاكسيات " هذه الزيادة وأكثر. كذلك السيارات التى لا تزيد عن 1600 سى سى . وبالطبع لم يتحمل أصحاب السيارات الفاخرة واتوبيسات المدارس والبعثات الدبلوماسية ، مثلاً ذات المعاناة. كما الحال لأصحاب المصانع التى تستخدم الوقود بكثافة ، مثل صناعة السيراميك على سبيل المثال، والتى تبيع بأسعار مرتفعة دون مراعاة للوقود المدعوم، ولا يعتد فى هذا المجال بالحديث الممجوج عن هروب المستثمرين!. وفى السياق الأشمل، لم نلحظ أى إجراء بصدد أموال البلاد المنهوبة فى عهد مبارك، رغم تصريحات أمريكية رسمية تتحدث عن مليارات تخص ثروة الرئيس المخلوع كان فى حالة الحصول عليها زيادة موارد الدولة عوضا عن زيادة معاناة المواطنين . ومما له صلة، أين فرض الضرائب التصاعدية؟ وأين أموال الصناديق الخاصة والتى كثر الحديث عنها ؟، اين التطبيق العملى للحد الأقصى للأجور، وما يتضمنه من بدلات وحوافز وما شاكل ذلك ؟؟ وهل من العدالة أين يكون راتب أحد المواطنين 100 جنية بينما راتب اخر بكل بدلاته وحوافزه اكثر من مليون جنية شهرياً؟ وأين ما يحصل عليه آخرون تحت مسمى "مستشارين" فى كافة الوزرات من أموال طائلة ، دون أن نلمس مردود ايجابى فى ضوء الأوضاع الراهنة؟!!! وأين سياسات ترشيد الإنفاق الحكومى فى ظل إجراءات البذخ وأحياناً السفه تحت شعارات مضللة وعقيمة، مثل موضوع الدراجات مثلاً، وليس آخرها، وكم تكلف ذلك ؟ واحدث ما يذخر به المشهد الراهن هو قصة " التبرعات " تحت شعار تحيا مصر؟ ولم نعرف حتى الآن أين ذهبت الأموال التى جمعها الشيخ محمد حسان ، وأموال كثيرة أخرى، هل الدولة كانت على علم بها، وأين انفقت؟ وما يجرى حالياً : أين موقع رجال الأعمال الذين استفادوا كثيراً من قرارات وسياسات الحكومات المتعاقبة ؟ وماذا قدموا لمصر فى الازمة الراهنة فعلاً وليس تسريباً ؟ وماهى المشروعات التى ستمول بها مثل هذه التبرعات؟ وهل ستسهم فى معالجة البطالة المتفاقمة ؟ وخلق فرص عمل ودخل جديدة ؟ وما سبق بيانه، هو غيض من فيض، ومايزال فى جعبة أهل الخبرة والاختصاص الكثير لكى تصوب البلاد بوصلة الاصلاح ومعالجة الاوضاع الصعبة ، توطئة للوصول الى بر الامان، اذا ما توفرت إرادة سياسية جادة وفعلية ، وتتوافق مع شعارات الثورة من تغيير وحرية وعدالة اجتماعية . بيد أن هذه الإرادة السياسية ، فيما يبدو من شواهد وقرارات، غائبة عن المشهد، وحتى إن حضرت ، تكون فى الاتجاه المعاكس! ولعل ماهينور ورفاقها، من خلف أسوار الحبس، لممارستهم حقهم الطبيعى فى التظاهر السلمى، على سبيل المثال لا الحصر . وستبقى حقيقة أن الفكرة لا تموت، وان هؤلاء يؤكدون بالممارسة فى الشارع وحده ، أن الثورة لاتزال مستمرة ، وحتى النصر، وان طال السفر بعض الوقت . وفى التحليل الأخير، فإن البلاد فى مسيس الحاجة إلى قيادة وحكومة تعبر عن طموحات وأحلام غالبية الشعب وتعبر عنهم فى صورة سياسات وقرارات، وتنحاز، قولا وفعلاً لهم، وليس لغيرهم، فى مثل هذه الحالة ستكون المطالبة بمزيد من مشاركة الشعب مستحبة ومقبولة، لدوران العجلة فعلاً، بعمل جاد، وزيادة الانتاج، كما حدث فى مرات سابقة من تاريخ البلاد، كانت فيها مصر على قلب رجل واحد، لتصل الى ما تصبو اليه من طموحات وأحلام .