في إطار اتفاقية التعاون.. وفد جامعة بنها في زيارة لجامعة بانونيا بالمجر    "الجبهة الوطنية" يعلن تشكيل أمانة الإعلام المركزية برئاسة مسلم    «السجيني» يطالب الحكومة بالاستماع إلى رؤية النواب حول ترسيم الحدود الإدارية للمحافظات    رئيس جامعة مطروح: انتظام سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني    تعمل به 228 شركة مصرية.. تفاصيل مشروع تطوير ميناء السخنة الأكبر والأعمق صناعيًا في العالم    أبو حطب يتابع انتظام الأعمال الميدانية بأشمون    وثيقة: ارتفاع كميات القمح الموردة للدولة بنسبة 7% ليقفز إلى 3 ملايين طن حتى الآن    بعد بيان هيئة التأمينات.. موعد صرف معاشات يونيو 2025 والزيادة الجديدة    حملة لإغلاق المغاسل المخالفة فى جنوب الغردقة حفاظًا على مياه الشرب    تعرض مناطق متفرقة من قطاع غزة لقصف إسرائيلي مكثف    مؤسسات فلسطينية: الاحتلال يحاول تصفية مجموعة من رموز الحركة الأسيرة وقادتها    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    الجيش السوداني: نقترب من تطهير كامل الخرطوم    البرلمان العربى يعزى مصر فى استشهاد طاقم طائرة تدريب عسكرية نتيجة عطل فني    النحاس يجهز كتيبة الأهلي لمواجهة الحسم أمام فاركو في الدوري    الحذاء الذهبي الرابع ورقم قياسي.. ماذا ينتظر صلاح في ختام الدوري الإنجليزي؟    حسين الشحات: متحمسون للغاية لمواجهة ميسي الأفضل في العالم.. ونثق في حضور جماهيرنا    ثروت سويلم: تصريحاتي بشأن الأهلي والإسماعيلي في إلغاء الهبوط فُسرت خطئا    الداخلية تحبط محاولة غسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات    وزير الزراعة: توطين صناعة المبيدات "ضرورة" تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية    جدول امتحانات الثانوية العامة 2025.. تفاصيل مواعيد الامتحانات لجميع الأنظمة التعليمية    تجاوزت سرعتها ال 42 كيلو.. رياح شديدة واضطراب حالة البحر بجنوب سيناء    قصور الثقافة تعرض فيلم «المشروع X» في 7 محافظات بسينما الشعب    أمين مجمع اللغة العربية يطالب بتشريع لحماية لغة الضاد.. والنواب يعدون بدراسته    محمد ثروت يحيي الذكرى الرابعة لوفاة سمير غانم برسالة مؤثرة    «ما يهزهم ريح».. 4 أبراج تتميز بثبات انفعالي مذهل في المواقف الصعبة    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    قبل امتحانات آخر السنة 2025.. ما هو الاختيار الأفضل لتحلية الحليب لطفلك؟ (أبيض ولا أسود)    حوار خاص| أحمد السبكى رئيس هيئة الرعاية الصحية ل«البوابة»: إطلاق المرحلة الثانية من منظومة «التأمين الصحى الشامل» بمطروح خلال سبتمبر وشمال سيناء في ديسمبر المقبل    مستشفى أطفال مصر يجرى عملية توسيع للصمام الأورطى بالبالون عن طريق القسطرة لطفلة حديثة الولادة    «جاب الفلوس منين».. شوبير يعلق على رفع القيد عن الزمالك    أنطلاق فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز ويامسين صبري بدور العرض السينمائى    نقابة الفنانين السورية تنعي بطلة «باب الحارة»    أونروا: إسرائيل تمنع المتطوعين من دخول قطاع غزة    الأمن يلقى القبض على المتهم بذبح والده المسن بأسوان    دينزل واشنطن يوبخ مصورا قبل حصوله على السعفة الذهبية الفخرية في مهرجان كان    الخميس.. فرقة الصحبجية تغني في قصر الأمير بشتاك    خبر في الجول – جلسة بين الزمالك والسعيد لحسم التفاصيل المالية لتجديد عقده    واشنطن بوست: إصابة بايدن بالسرطان أثارت تعاطفاً وتساؤلات ونظريات مؤامرة    بحضور مدبولي.. رئيس سوميتومو العالمية: نحتفل بفخر بإنشاء أحدث مصانعنا المتطورة    «سيدات يد الأهلي» يواجه فاب الكاميروني في ربع نهائي كأس الكؤوس    الأهلي يواجه الزمالك في مباراة فاصلة لحسم المتأهل لنهائي دوري سوبر السلة    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    الصحة: إغلاق عيادة للتجميل وتركيب الشعر الصناعي بالعجوزة للعمل دون ترخيص ويديرها منتحل صفة طبيب    وزير الري يبحث إضافة مواقع سياحية جديدة لمنظومة السد العالي -صور    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    بعد تداول فيديو.. ضبط قائد سيارة حاول الاصطدام بسيدة على محور 30 يونيو    تعرف على مواصفات امتحانات الثانوية العامة 2025 بالنظام القديم    نتنياهو: أدين بشدة تصريحات يائير جولان ضد إسرائيل وجيشها    المركزي الصيني يخفض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية    "تأهيل خريج الجامعة لمواجهة تحديات الحياة الأسرية".. ندوة بجامعة حلوان    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    طريقة عمل الفراخ البانيه، بقرمشة لا مثيل لها    «أكبر خطيئة وتستلزم الاستغفار».. سعد الهلالي عن وصف القرآن ب الدستور    وزارة العمل تعلن توافر 5242 فُرص عمل في 8 محافظات    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. إبراهيم علّوش: في «داعش» وطبيعة العلاقة الغربيّة- التكفيريّة
نشر في البديل يوم 25 - 06 - 2014

إذا تدخلت الولايات المتحدة في العراق بذريعة ضرب «داعش» في العراق، فإن ذلك سيكون مرفوضاً ومداناً من قبل أي وطني أو قومي شريف في بلادنا، التزاماً بمبدأ رفض التدخل والهيمنة الأجنبية، الأميركية والغربية بخاصة، لكن ذلك لن يجعل من «داعش» قوةً وطنية أو مناهِضة للإمبريالية، ولا من التحالف معها استراتيجية صحيحة للذين يعتبرون أنفسهم وطنيين عراقيين أو بعثيين.
جعلت الولايات المتحدة منذ «الحرب الباردة» من بعض الإسلام السياسي جزءاً من إستراتيجيتها لاحتواء الاتحاد السوفييتي من ناحية وحركات التحرر والنهوض القومي في العالم الثالث من ناحية أخرى. وفي مرحلة «الحرب على الإرهاب» أخذ صراعها مع تلك الحركات شكل محاولة التخلص من قوة عمل فائضة، ثم شكل ذريعةٍ لانتهاك سيادة الدول وفرض التعاون الأمني عليها تحت طائلة اتهامها بالتواطؤ مع «الإرهاب».
لكن منذ ما يسمى ب»الربيع العربي» أخذت العلاقة الغربية مع «السلفية الجهادية» مسارات غير خطية ومتشابكة لا يمكن اختزالها في أي خط مستقيم، ما ولّد تشوشاً في أذهان بعض مناهضي الإمبريالية في العالم. فالولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون يدعمون الحركات التكفيرية والظلامية في سورية، ويقصفونها في اليمن وباكستان، ويتخذون منها ذريعة للتدخل في مالي وأفريقيا الوسطى، ويدعمونها ثم يحاربونها في ليبيا أو أفغانستان... أما حكام السعودية والخليج العربي، حلفاء الولايات المتحدة الإقليميّون، فيجتثّون التكفيريين في بلدانهم، ويستخدمونهم في الآن عينه أداة وظيفية في العراق وسورية ولبنان وكامل الوطن العربي، ما يعطي أولئك الحكام حيّزاً ل»إنكار المقنِع» إنكار دعمهم أمام المجتمع الدولي، فيزداد التشوش في المشهد السياسي العربي.
لذلك لا نكاد نشهد دعماً غربياً واضحاً للحركات التكفيرية في موضعٍ ما ربما يدفعنا إلى توجيه اتهام مباشر لها بأنها صنيعة الطرف الأميركي-الصهيوني وأداته، حتى نشهد حالات قصف أو خطف غربية لها، ولا نكاد نصدق الخطاب الغربي عن خطورة الحركات التكفيرية في نيجيريا أو العراق مثلاً حتى نستعيد صورة دعمهم في ليبيا ثم سورية في السنوات الأخيرة...
لا بد إذن من تشخيصٍ موضوعي للعلاقة الغربية-التكفيرية لا ينساق خلف الأماني الزائفة بأن الغرب سيصغي إلينا ويتفهمنا لو أوضحنا له أن ما يحصل في سورية والعراق ولبنان هو «حربٌ على الإرهاب»... ولا يفرض رؤىً خطية ومسبقة الصنع بأن الغرب يقف خلف الحركات التكفيرية والظلامية في كل ما تقوله وتفعله، متجاهلاً الصراعات الدموية التي يخوضها الغرب ضدها أحياناً في بعض المواضع.
لا ريب في أن الحركات التكفيرية والظلامية زُرعت بذارها الأولى في العصر الحديث مع محاولات الاستعمار البريطاني احتواء حركات التحرر الهندية ثم المصرية، وهذا ما يوثق له مثلاً روبرت درايفوس في كتابه «لعبة الشيطان: كيف أطلقت الولايات المتحدة الإسلام الأصولي» الصادر عام 2006. يُشار في المقابل إلى أن حركات التحرر الوطني المسلحة إسلامية الطابع التي انطلقت في الوطن العربي منذ مطلع القرن الفائت حملتها قياداتٌ صوفية، من عبد الكريم الخطابي إلى عمر المختار إلى عز الدين القسام، رغم محاولة «الإخوان» والسلفيين مصادرة ذلك التراث النضالي العريق لحسابهم. كذلك يوثق روبرت درايفوس ذاك التحالف، الذي تحوّل إلى علاقة وطيدة طويلة المدى، بين الاستعمار البريطاني والحركة الوهابية في مواجهة محمد علي باشا، مطلق أول مشروع نهضوي تحرري وحدوي في العصر الحديث، ومحطم الدرعية عاصمة الوهابيين الأولى.
غير أن اللافكر، أو اللاعقل التكفيري الظلامي هو تعريفاً الضدّ الأول للإسلام، والحضارة، والإنسان، والدولة الوطنية، والمواطنة، والمرأة، والعقلانية، ومنجزات البشرية الاجتماعية والسياسية كافة منذ بدء التاريخ. بصفته تلك، وبقدرته على الانتشار بقوة «الإيمان»، لا بقوة الدعم الغربي أو البترودولاري فحسب، وبقدرته على التكاثف مع الزمن وبتجاوز ذاته رجعياً، وبقدرته تالياً على إنتاج جيوشٍ عقائدية منفلتة من عقالها تتمثل أسوأ ما في ثقافة الغزو المركبة على إعادة إنتاج عصر شبيه الإنسان النياندرثال، فإنه بات أشبه بفيروس مضاد للنهضة الإنسانية، لا القومية فحسب، وهو لا يعادي حركات التحرر والدول المستقلة فحسب، إنما يعادي الحضارة الغربية أيضاً.
تلك الصفات الجوهرية لتكوين العقلية التكفيرية الظلامية، التي نشأت في حضن حركة «الإخوان المسلمين» لتنفيها وتتجاوزها، تماماًُ مثلما تجاوزت «داعش» تنظيم «القاعدة» لتجعل الأخير يبدو قوةً «معتدلة»، جعلت من الجماعات التكفيرية الظلامية سلاحاً جرثومياً فتاكاً على مستوى الإيديولوجيا لا يعي ولا يفقه سوى غاية وجوده في تدمير الإنسان. لكن السلاح البيولوجي يصعب جداً احتواؤه في بقعة واحدة، فالجرثومة التي تلقيها على عدوك يمكن بسهولة أن تنتقل إليك عن طريق العدوى أو الهواء. والشباب المتأثر بالجرثومة التكفيرية الظلامية في الغرب مثلاًً، خاصة من الأصول الأوروبية المسيحية، لا يمكن اعتبار اندفاعه إلى القتال في سورية أو العراق تحت راية المنظمات التكفيرية والظلامية نتيجة تعرضه للتهميش السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، كما يذهب البعض، إنما هو لسبب أيديولوجي صرف، وشهادة عابرة للثقافات عن قدرة الجرثومة التكفيرية على الاختراق العقائدي.
إذن استخدم الغرب السلاح الأيديولوجي التكفيري في مواجهة الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية والحركات والدول والتجارب النهضوية والتحررية والوحدوية في العالم الثالث عامة والوطن العربي والعالم الإسلامي خاصة، فكان بذلك كمن يستخدم سلاحاً جرثومياً فتاكاً أعمى يمكن بسهولة أن يرتد على من استخدمه ووظفه، فصار ضرورياً أن يتم احتواؤه في المواضع التي يخدم مصالحه فيها، فإذا خرج عنها أو زالت فائدته حق ضربه وشطبه جزئياً أو كلياً، من دون أن يعني ذلك أن وجود «داعش» في العراق، بما تمثله من مشروع للفتنة والتفكيك وكسر الهلال الممتد بين طهران وبيروت هو أمرٌ يتعارض مع المصالح الأميركية الصهيونية في بلادنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.