لم تشهد مصر على مدى تاريخها هذا الحدث الكبير، فلأول مرة تشهد أجيال عمرية مختلفة احتفالية التنصيب وتسلم السلطة بشكل سلمي، هذا التقليد الذي لم تعرفه مصر رغم كونه تقليداً متبعاً في كل ديمقراطيات العالم المتحضر نظراً لاحتلال حكامها مقعد الرئاسة بالاستفتاء الشعبي الأوحد. سيظل يوم 8 يونيو 2014 يوماً فارقاً في مصر الجديدة ليس لكونه بداية عهد جديد فقط ولكن لكونه ترسيخاً لمبدأ تداول السلطة أحد أهم مبادئ الديموقراطية في ظل إرادة شعبية انتزعت حقوقها في انتخاب من يمثلها كرئيس للجمهورية، هذا المبدأ كان مطمحا يتطلع إليه المصريون على مدى عقود طويلة توارى فيها الحلم بطول فترة حكم المخلوع ومحاولة امتداده وفق مخططات التوريث غير المكتملة, وبقفز الإخوان على السلطة كاد الحلم أن يختفي في ظل إحكام القبضة على مصر وبصبر المارد المصري الثائر كالبركان استطاع أن يملي إرادته وفق أحلامه وأهدافه التي لا يقبل القسمة فيها على اثنين. كلمات السيسي الهادئة ورسائله المباشرة تبعث الأمل في نفوس الشعب المثقل بهموم باتت أكبر من أن تحملها أكتافه الواهنه (جئت لأطلب منكم لا لأعطيكم) كلمات تلخص ما يود الإقدام عليه ,لكن المغرضين من دعاة الانقلاب أو الرافضين لحكم المؤسسة العسكرية حاولوا تشويه المعنى والمغزى الذي يستحث فيه الشعب على إحياء معاني العمل والانتماء للوطن. كلمات مشابهة ترددت في فترة عصيبة مرت بها مصر قبل أكثر من نصف قرن استمعنا لها حين تولى الزعيم جمال عبد الناصر المسئولية موجهها كلمته للشعب المصري قائلاً (لم أجئ لأعطيكم بل جئت لأخذ منكم) وقد استطاع الزعيم ترجمة هذه المعاني بغرس قيم أن العمل واجب وشرف بالمشروعات الزراعية والقلاع الصناعية العملاقة ونهضة التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية بقرارات التأميم وقوانين الإصلاح الزراعي ثم بمشروع السد العالي العظيم. لقد حقق عبد الناصر ما آمن به لأن حلمه كان متوحداً مع أحلام الملايين من المصريين الذين التفوا حوله وساندوه في اتخاذ قرارات كانت أقرب للخيال منها للواقع ,كان الحلم متصلاً بل كان جزءاً من الآمال العريضة للفقراء من عامة الشعب فهو ابن هذه الطبقة التي عانت الحرمان في ظل عبودية الاستعمار والاقطاع من باشوات السخرة ,فكانت انحيازاته للفقراء تجسيداً بالغاً لانصهار الحلم الخاص بالعام وكان العمل ليلاً ونهاراً هو السبيل للإرتقاء بهذه الطبقة والنهوض بالمجتمع دون أن يشعر للحظة واحدة أنها تمثل عبئاً على الأثرياء الذين كان يحق لهم في ظل انحيازاته الواضحة أن يقفوا له ولأهداف ثورة العدالة الاجتماعية بالمرصاد ,إن نجاح السيسي في إنجاز ما يؤمن به وما يأمله لشعبه يتعلق بتوحد الحلم والهدف مع الملايين من المتعلقة أنظارهم وقلوبهم نحو إجراءات وقرارات سريعة وحاسمة تجسد بما لايدع مجالاً للشك صدق هذا التوحد لا النظر بعيون المتعالي أو المتعاطف حتى وإن كانت النوايا صادقة خالصة لوجه الله والوطن لقد أتى عبد الناصر حاملاً معه مفاتيح هذا الشعب ,بل لا نبالغ إذا قلنا انه امتلك مفاتيح الشعب العربي بأثره فاستطاع التربع في قلوب الملايين من أبناء هذا الوطن دون منازع ,فهل يمتلك الرئيس عبد الفتاح السيسي مفاتيح شعبه ,وهل تتسق أحلامه مع أحلام الملايين من المصريين؟ نتمنى.