لم يكن أكثر المتفائلين من جماهير هولندا أو أشد المتشائمين من عشاق الأحمر الإسباني يخطر على باله للحظة أن يكون لقاء الإعادة لنهائي كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا بافتتاح مواجهات الفريقين في المجموعة الثانية لكأس العالم 2014 على ملعب مدينة سلفادور البرازيلية، بهذا السيناريو القاسي وأن يخسر الإسبان بخماسية أمام فريق نصفه أو أكثر لم يتجاوز عمر لاعبيه ال22 عاما. هولندا فجرت واحدة من أكبر المفاجآت في تاريخ المونديال ليس من حيث الفوز فهو أمر طبيعي بين الكبار، ولكن عطفا على النتيجة الأسطورية والأداء الخيالي والمعطيات التي دخل بها الفريقان للمونديال. فإسبانيا هي المرشح الأول وهي المسيطرة على كرة القدم في العالم منذ 6 سنوات بدون منازع، وتمتلك كتيبة من النجوم المحفوظين عن ظهر قلب في كافة بقاع المعمورة، وأنديتهما سطت على كافة الألقاب الأوروبية هذا الموسم، أما هولندا فتمر بمرحلة انتقالية تبني فيها فريق جديد معظمه من المحليين الذين لم يعرفوا حتى الآن طريقهم للدوريات الأوروبية الكبرى. هذه النتيجة الخرافية أشعلت البطولة مبكرا فهولندا قطعت نصف الطريق نحو صدارة المجموعة، ما يعني أن إسبانيا لو تمكنت من التدارك والتأهل فستكون ثانيا ما يعني مواجهة ملتهبة أمام البرازيل، القريبة بدورها من صدارة مجموعتها الأولى. الشوط الأول جاء مثيرا وإيجابيا ومعركة تكتيكية بين دل بوسكي وفان جال، وكان التعادل هو الحاسم بهدف لتشابي ألونسو وتعديل رائع لفان بيرسي. دخلت هولندا المعززة بمجموعة من الشباب بأسلوب مباغت عن طريق الضغط العالي في وسط الملعب، وأهدر شنايدر هدفا مؤكدا وجها لوجه بعد بينية سحرية لروبين وتصدي لا يقل روعة من كاسياس. اهتز الأداء الهولندي بعد الفرصة الضائعة، وامتلكت إسبانيا زمام الأمور مستغلة التمريرات القصيرة المعتادة والانطلاقات السريعة خلف الدفاع. كوستا الذي لعب وسط أجواء مشحونة وصافرات غاضبة من الجماهير البرازيلية لتفضيله اللعب مع إسبانيا على وطنه الأم، سنحت له عدة فرص للتقدم فشل في التعامل معها. وفي الدقيقة 28 يتسلم كوستا تمريرة من سيلفا حول مراوغة المدافع دي غيرجين ولكنه انزلق واحتسب الحكم ركلة جزاء خاطئة وفقا لما أكدته الإعادة التلفزيونية، وسجل منها ألونسو هدف التقدم لبلاده. إسبانيا كانت الأفضل بعد الهدف وأضاع سيلفا انفرادا كاملا أمام الحارس ولم يتمكن من تأمين انتصار فريقه. وفي الوقت الذي كانت تسير فيه المباراة نحو الانتصاف بتقدم إسبانيا يرسل المدافع الأيسر بليند تمريرة طولية لأكثر من 50 متر يحولها فان بيرسي من لمسة واحدة بالرأس ساقطة فوق الحارس كاسياس معيدا المباراة لنقطة البداية. الشوط الثاني كان شوط التاريخ وشوط الأحلام وشوط انقلب فيه السحر الإسباني على الساحر وتقمص الهولنديون شخصية العملاق وفعلوا كل شيء في كرة القدم وسط دهشة وصدمة وفرجة لأبطال العالم. هولندا دخلت هذا الشوط بثقة كبيرة بعد التعادل المتأخر في سابقه وسرعان ما انفجر الصاروخ روبين الذي طار وسط ثنائي الدفاع لاستقبال كرة طويلة سيطر عليها ورواغ بمهارة الثنائي بيكيه وراموس قبل أن يدع الكرة بسلاسة في مرمى كاسياس. لم يستوعب الإسبان تلك الصدمة والأداء غير المتوقع لمنافسهم، لتأتي الكارثة الكبرى في الدقيقة 63 عندما طار المدافع دي فيليج على عرضية شنايدر وأسكنها شباك كاسياس. عملت الطاحونة الهولندية بكفاءة منقطعة النظير وتلاعب شبابه بكبار إسبانيا، ليأتي الدور على كاسياس في ارتكاب خطئا فادحة بعد أن طالت الكرة من أمام قدميه، يستغلها فان بيرسي ويخطف الكرة ويضعها في المرمى. لم يهدأ روبين وأراد اللحاق بنيمار وفان بيرسي على صدارة الهدافين، وكان له ما أراد في الدقيقة 80 بعدما انطلق خلف الدفاع ولم يستطع أي لاعب إسباني اللحاق به، ليراوغ بعد ذلك كاسياس وبهدوء يحسد عليه يسجل الخامس. هولندا كانت قريبة من إضافة ثلاثة أهداف أخرى على الأقل، وذاد كاسياس عن مرماه في أكثر من كرة محققة، بينما كان أهم الفرص الإسبانية من توريس الذي استلم الكرة على خط المرمى تقريبا إلا أنه أراد المراوغة بدلا من وضع الكرة في المرمى فلم يجدها.