أخذتني الأيام القليلة الماضية الي خارج القاهرة للمشاركة في مؤتمرات جماهيرية لدعم المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، وعندما أذهب بعيدا عن القاهرة يتكرر نفس الإحساس، أن الناس أكثر بساطة ونقاء، وأن مواقفهم واضحة لا تتلون ولا تنتظر منك مقابل، ولا تناور وتحسب حساباتها، الرؤية جلية رغم الفقر وقلة الحيلة وربما رغم المتاهة والقلق من ما تحمله الأيام، رغم هذا تتضح الرؤية وتجلجل الضحكة ويقسمون بكل الإيمانات أنك ضيفا علي مائدة الطعام ولا يعنيهم إذا أكدت لهم أنك لا تستطيع أن تأكل. من القاهرة الي الأطراف في ترسا وأبو النمرس، ومن القاهرة الي المنصورة والسويس والشرقية والإسكندرية وبني سويف والمنوفية، وتحولت المؤتمرات الجماهيرية التي لم تكن لدعم السيسي مثل مؤتمر كمشيش الذي تعقده المناضلة شاهندة مقلد في آخر يوم من أيام شهر ابريل من كل عام في ذكري رحيل زوجها المناضل صلاح حسين، تحولت الي حالة لتأكيد اختيار المصريين للمشير، حالة لتأكيد جسامة المسئولية وإدراك الخطر الذي نواجهه ونحن نختار المشير، حالة مؤداها انه في لحظات ماقبل الانهيار وماقبل التحلل والتفتت تخرج روح مقاومة كامنة فينا ونستدعي من نضع أيدينا في يداه، استدعي المصريون جمال عبد الناصر وحالوا بينه وبين الهزيمة في 1967، هزيمة الإرادة وليست هزيمة الجيش، ظهر المارد ساعتها مارد الشعب الذي خرج ليرفض الهزيمة ويرفض رحيل زعيمه وقيادته، وكانت الصرخة الهادرة للمهزومين: ح نحارب، وضخ المصريون من روح القوة الساكنة فيهم الي روح الزعيم الذي استقوي واستعصي علي الانكسار بهم، فضخ فيهم من روحه وإرادة المقاومة فيه، وكان المهندس عبد الحكيم عبد الناصر حاضرا في عدد من مؤتمرات دعم المشير، وحضور ابن الزعيم يحمل من دلالة المعاني الكثير منذ ان كان حضوره الأول إلى جوار المشير في سبتمبر الماضي يوم ذكري رحيل عبد الناصر، وربما كان حضوره الثاني الي جوار المشير يوم لقاء رموز من اليسار والقوميين ضمن مبادرة مستقبل مصر، وتوالت في الأذهان المعاني والد لالات، فهذا هو المشير القادم من المؤسسة العسكرية التي حمت مصر، وهو القيادة التي يحملها المصريون الآن مسئولية الانتصار بمصر، وهذا وإلي جواره ابن الزعيم الذي الذي كان قدرنا وكنا قدره، وتحمل مسئولية القيادة في لحظات الخطر وماقبل الانهيار، والناس خارج القاهرة تعرف جمال عبد الناصر، وتعرف عبد الفتاح السيسي، وتري الآن عبد الحكيم عبد الناصر، وتتوافد اليه، صفوف من أهلنا الفلاحين البسطاء، لا يريدون شيئا غير السلام والشد علي يد ابن الزعيم، لايريدون شيئا إلا الفوز بصورة معه، لا يريدون شيئا إلا رفع صورة ناصر والسيسي معا، ومن وسط الجموع والحشود التي احتشدت في قرية القنايات، بالشرقية وفي مؤتمر استضافه الصديق المناضل مجدي زعبل ارتفع صوت سيدة ربما جاوزت السبعين من عمرها وهي تلتف بالسواد. مثل أهلنا في الريف قائلة لعبد الحكيم عبد الناصر كلمة واحدة: يا غالي ياابن الغالي، لا تقول غيرها، وتبتل العيون بالدموع، في الشرقية، وفي الواسطي ببني سويف، دموع علي الغالي الذي رحل ومازال ساكنا في قلوب المصريين، ساكنا واستردته الثورة وهتفت باسمه رغم كل معاول الهدم التي اكتشفنا أنها ما هدمت إلا صانعيها، دموع غير مصدقة أن الواقف أمامهم الآن، والذي يؤيد المشير السيسي هو غالي ابن غالي، وتعلو الأصوات عندما يفاجئها عبد الحكيم مستهلا كلمته بقوله: أيها الأخوة المواطنون، ويأتيه الرد هادرا علي قدر الحب والتلاقي مع ابن الزعيم. اليوم ونحن ندق أبواب مستقبل، ونحن وسط مخاطر ومعاول هدم يعلمها الله ، في داخل مصر معاول هدم ربما تكون أخطر من أعداء الخارج، أعداء الخارج صاروا عدو ظاهر، والعدو الظاهر أهون. من العدو الذي يعيش بيننا، يعيشون بيننا ويعتقدون أنهم سيعيدون عقارب الساعة، سيعيدون الدنيا التي ثارت مصر عليها، سيعيدون استعباد المصريين والسطو علي مصيرهم الذي يتطلعون الي ان يكون نتاج ثورتين، يعتقدون أنهم سيواصلوا من خلال المشير ودولتهم القديمة مسيرة الافقار والتجهيل والأمراض، مسيرة تقزيم مصر والقضاء عليها وجعلها جيبا ملحقا برداء قوي دولية وإقليمية، والآن وبعد ساعات يتولى المشير قيادة مصر، هل نعود الي بيوتنا وننتظر منه العسل والزبد والكراس والدواء والكرامة للمواطن والوطن، أم نبادر ونتقدم ونفكر وننضوي في تكوينات سياسية تضم وتجمع وتدير وتقود وتثقف وتقوم بدورها وهي تعتقد تماماً أنها تستطيع عندما تتراجع الأنا والذاتية ونعيد روح بناء وكفاح وكرامة ومشروع وطن يستعيده المصريون وهم يقولون: يا غالي يا ابن الغالي.