فى سبعينيات القرن الماضى كنا فى بغداد واخذنا طائرة مقبلة من أبو ظبى فى طريق عودتنا الى باريس..فى المقعد الأمامى نبيل ، ابننا والى جواره راكب قادم من الإمارة وخلفهما كنا نجلس ، زوجى الكاتب الراحل على الشوباشى وأنا.من خلال تبادل الكلام مع نبيل ،عرف الرجل إننا مصريون..بعد دقائق نظر إلينا شذرا متسائلا:انتم مصريون؟..أجبنا بنعم..فإذ به يصرخ فى وجوهنا بغضب جامح: انتم ليش بتسبوا عبد الناصر؟ وأخذ يعدد صفات الزعيم الراحل وفضائله مشددا على انه هو الذى جعل لنا وزنا فى العالم الخ الخ.. أجبته بابتسامة اعتذار ،اننى من ابناء عبد الناصر والمؤمنين بمشروعه وبحلمه ،حتى هدأ قليلا ..أثرت فى هذه التجربة تأثيرا عميقا وتأكد لى أنها حالة عامة وليست فردية فيما تلا من سنوات ونحن فى الغربة..وقد كنت اتعجب من إصرار البعض على «مساعدة» أعداء مصر والأمة العربية، على تشويه عبد الناصر والتشكيك فى سياساته وانحيازه للأغلبية الساحقة من الشعب..وذات يوم أذاع التليفزيون المصرى «برنامجا» تلخصت رسالته فى أن عبد الناصر هو أصل الشرور منذ خلق الله آدم.توجهت الى مكتب وزير الإعلام آنذاك وعبرت له عن استيائى وأذكر اننى قلت له :عبد الناصر مات ،ولكن النظام غبى ،لأنه بدلا من استثمار شعبيته الجارفة فى العالم العربى والعالم الثالث ،لا يكل ولا يمل من محاولة هدم هذه الصورة ،وعندما رحل ،جاء الجميع يعزوننا فى مصابنا الجلل،فقال هؤلاء عن الزعيم الراحل ما قاله مالك فى الخمر..الغريب أن الوزير رد بأن التسجيل قديم ،وبعد نحو شهرين ،أخبرتنى الصديقة الكاتبة ماجدة الجندى أنها شاهدت البرنامج قبل يوم من لقائنا !! ذكريات كثيرة تتدافع الى ذهنى وانا هنا فى باريس ،حيث من المقرر ان تصدر جريدة لوموند الفرنسية العريقة عددا خاصا يوم 27 من الشهر الحالى بمناسبة العيد السبعينى لتأسيها ،وسلسلة من الكتب ،خارج العدد، بعنوان «لوموند الألفية الثالثة» عن عشرين شخصية لعبت دورا كبيرا فى تغيير العالم . وهذه الكتب عبارة عن السيرة الذاتية لكل من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والمناضل الافريقى نيلسون مانديلا والرئيس الأمريكى جون كيندى والجنرال شارل ديجول وجوزيف ستالين وماو تسى تونج وغيرهم. ويقول المثل :اللى ما لوش كبير ،يشترى له كبير ..والمفارقة ان المثل مصرى الأصل ومع ذلك كانت ابشع معاول محاولة تشويه عبد الناصر ،مصرية..!؟ وبعد أكثر من أربعين عاما على الرحيل مازال عبد الناصر فى قلب الأحداث ،حيث رفعت الجماهير الثائرة صوره فى ثورتى يناير ويونيو ،وهو ما أشعل نيران غضب أمريكا ،التى قال بعض رموزها ،بصفاقة، لن نسمح بتكرار نموذج عبد الناصر! فى إشارة واضحة إلى رفض زعامة المشير ،وقتها،عبد الفتاح السيسى ،بالرغم من شبه الإجماع الشعبى على قيادته... وبالطبع ،أطاح حضور عبد الناصر ،الطاغي،رغم غيابه ،كذلك بعقول أبواق امريكا وأدواتها فى الداخل ،فلا يمر يوم دون الهجوم على قائد ثورة يوليو ،التى غيرت تاريخ المنطقة والعالم كما يُقر بذلك الواقع والتاريخ ،الى درجة اعتبار «شهادة» سيدة ،حتى لو انها اقترنت يوما بشخصية هامة «وثيقة رسمية!؟» لا تقبل شكا ،بل وانها ،أتت بما يفوق كل «الجهود» المتواصلة منذ غياب الزعيم ،للنيل من مكانته؟؟ وهى بذلك تستحق لقب المرأة الحديدية التى تفوقت على المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الاسرائيلى، وحركات الاسلام السياسى وغيرهم.. وقد يكون من اسباب الحملة المسعورة على الزعيم ،عودة الوعى بأهمية الوحدة العربية والاحتماء بخيمتها ،بدلا من التشرذم بين الأديان والمذاهب والأعراق، فاكتشفت الأجيال الحالية مثلا، استشهاد جول جمال، العربى السورى المسيحى ،فى معركة البرلس، إبان مقاومة العدوان الثلاثى على مصر عام 56، وليتنا نعرض على هذه الأجيال الأفلام الوثائقية التى سجلت ملاحم بطولية فى الخمسينيات والستينيات ،وما ادراك ما الستينيات..!؟ والدور المصرى فى مساندة حركات التحرر، فى الوطن العربى والعالم الثالث..ومن الأهمية بمكان أن تثق الأجيال ،التى لم تشهد هذه الفترة ،اننا كان لدينا زعيما كبيرا،يحق لنا ان نفخر ونعتز به وكذلك نفخر ونعتز بمن يماثله، ونعمل على استكمال مشروعه الحلم ،حلم الوحدة العربية ،الحصن المنيع ضد اعداء تقدمنا وتبؤ مكاننا ومكانتنا، التى نستحقها بين الأمم. لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى