«أوصيكم بالثورة والفقراء، أوصيكم بالعمال. لما الهلالى رحل كملنا مشواره، وبكره مليون بطل هيكملوا المشوار». تلك كانت إحدى فقرات وصية المحامى الحقوقى سيد فتحى – مدير مؤسسة "الهلالي" لحقوق الإنسان، قبل أن تتوفاه المنية منذ أيام، إثر نوبة قلبية عن عمر يناهز الخامسة والأربعين. ولد سيد فتحي فى مدينة المحلة، أيقونة ثورة 25 يناير، وبعد إتمام دراسته فى كلية الحقوق، انتقل محاميا فى مكتب الهلالى للحريات، كأحد أبرز الحقوقيين المصريين منذ نشأة الحركة الحقوقية العربية، وانتهت حياته يوم 14 مايو، قبل يوم واحد من ذكرى النكبة الفلسطينية 15 مايو 1948؛ تلك القضية التى شغلته منذ كان طالبا، وبعد أن عمل محاميا، حيث كان شاغله الأكبر التصدى للكيان الصهيوني. ولد «فتحى» عام 1968 لأب بسيط، يعمل بأحد مصانع النسيج بمدينة المحلة، لينشأ وسط مطالب العمال المهدورة، ويتأثر بقدرة العمال على الصمود حتى حصولهم على حقوقهم، وتعلم وعمل، ثم التحق بكلية الحقوق جامعة عين شمس في مطلع الثمانينيات، ليبدأ ممارسة العمل السياسى وسط زملائه، إما عبر مظاهرة مناهضة لاحتلال العصابات الصهيونية أرض فلسطين العربية، أو اعتراضا على قرار اتخذته الحكومة المصرية، أو دفاعا عن البسطاء من أبناء هذا البلد، لم يكن غريبا بعد تخرج «فتحي» في الجامعة أن يلتحق بالعمل بمكتب الأب الروحى للحقوقيين المصريين «نبيل الهلالى»، وهو الرجل الذى وهب حياته للدفاع عن العمال والمهمشين والمظلومين وعن السياسيين، دون النظر إلى أيديولوجيتهم الفكرية. بعد 8 أعوام من العمل داخل المؤسسة، تقلد «فتحى» منصب مدير المؤسسة، وتولى الدفاع فى عشرات القضايا العمالية أو السياسية، فدافع عن الجميع من عمال وسياسيين ومهمشين، فتولى الدفاع عن أهالى جزيرة القرصايا، وعن شهداء ثورة 25 يناير فى قضية قتل المتظاهرين، وانتهاء بالدفاع عن معتقلى الثورة، وقبل وفاته بأيام حضر مدافعا عن الناشط أحمد دومة. ناهض سيد فتحي التعذيب، فكان محاميا فى قضية الشهيد عصام عطا الذى مات متأثرا بالتعذيب فى سجن طرة، وساند الثوار فشارك فى القصاص لشهدائها كمحام فى قضية قتل المتظاهرين (محاكمة القرن) المتهم فيها الرئيس المخلوع حسنى مبارك ورجاله، ومدافعا عن البسطاء فى القضية المعروفة (جزيرة القرصايا)، فضلا عن دفاعه عن العمال المشردين بفض قانون الخصخصة. ظل «فتحي» يوازن بين العمل النقابي والدفاع عن حقوق العمال والبسطاء في عشرات قضايا الفصل التعسفي والخصخصة، كما ناضل ضد الفساد في قضية حريق مسرح بني سويف وقضية تفجيرات طابا، واستمرت مسيرته في المحاماة، بالإضافة إلى العمل السياسي بمشاركته في تأسيس حزب الشعب، وساهم بعد الثورة في تأسيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي. ساند الحقوقي الراحل قضايا الثورة والحريات، وانضم إلى الحركة المصرية للتغيير «كفاية»، وكان أحد الأعضاء المؤسسين لجبهة الدفاع عن متظاهري مصر، كما ساند قضايا حرية الفكر والتعبير وحرية الصحافة، وتولى قضية مقتل الشهيد الحسيني أبو ضيف في أحداث الاتحادية. رحل الحقوقى وانتهت مسيرته بعد توقف قلبه، إلا أن مسيرته ما زالت حاضرة يتذكرها الفقراء والأصدقاء ومن تعلموا على يديه، ليكتبوا له فى ذكرى رحيله الأولى: «وداعا يا محامى الفقراء والشهداء».