أصبحت الجامعات المصرية تصنف ضمن "جامعات الأعداد الغفيرة " وهى التى تركز على تخريج أعداد فقط دون النظر للكفاءة وللمحصلة العلمية والثقافية، ولهذا لم يكن مفاجئا أن تأتى جامعاتنا المصرية فى ذيل قائمة جامعات العالم، وأن يصبح الخواء هو السمة الغالبة على خريجيها، وهذا التردى بدأ ممنهجا منذ سبعينيات القرن العشرين حين بدأت الدولة فى الغياب عن تطوير العملية التعليمية، وإن تجلى هذا الغياب وعظم فى سنوات مبارك التى برز فيها مقدار التخريب الذى فعله الانفتاح الاقتصادى فى مصر حيث فتح الباب على مصراعيه للمغامرين والمتاجرين بكل شيء بداية من لقمة العيش والتعليم والصحة وصولا للمتاجرة بالوطن نفسه، و تركت الدولة الأسر المصرية نهبا لجشع أصحاب المدارس الخاصة، وطمع بعض المدرسين الذين غيبوا شق الرسالة المقدسة للمعلم وعظموا من شأن الربح المادى. ولقد كنت أقف مندهشا أمام القدرة الغريبة لتيارات اليمين المتطرف – وعلى رأسهم جماعة الإخوان الإرهابية – على ملء الفراغ الذى أحدثه غياب الدولة وقيامهم باستدراج الكثيرين من خلال المجاميع الدراسية، المجانية أو التى تقدم بأجر رمزى، ولهذا أصبح طبيعيا أن تطلب الآن منهم رد الجميل والمشاركة فى جرائمها وإرهابها وتعويق الدراسة – المعوقة أصلا – وكأنما كتب على طلاب مصر أن تجرف عقولهم وتشل حركة مخيلتهم بسبب مناهج عقيمة وطرق تدريس عفى عليها الزمن وقيادات تعليمية جمدت ضمائرها بعدما عقمت قدراتها الابتكارية. ولعل القرارات الأخيرة التى اتخذت بشأن انتهاء الفصل الدراسى الثانى لهذا العام فى 30 ابريل وبدء الامتحانات فى 3 مايو، والذى حملت جامعة عين شمس وزر السبق فيه، دالا على العبث الذى نعيش فيه وعلى مدى المقامرة بمستقبل هذا الجيل، ولا أظن أن بلدا واعيا فى العالم تجرؤ قياداته التعليمية على العبث هكذا بالمستقبل لمجرد أن هناك انتخابات يعد لها، أو تخوفا من عنف تتحمل الدولة مسؤولية تركه هكذا عندما جبنت عن اتخاذ قرارات حاسمة فى الوقت المناسب، ولست أدرى أى امتحانات تلك التى ستجرى والدراسة لم تبدأ بشكل حقيقى بعد؟! حيث بدأ الفصل الدراسى متأخرا مما استدعى تكثيف المناهج بما يلائم ضيق المدى الزمنى وكى يتمكن الطلاب من استيعاب أكبر قدر من المادة العلمية، وبهذا أنتج العبث ما يمكن أن نسميه ال "فيمتو تيرم"، ولأنني أقوم بتدريس الدراما فى إحدى الكليات أجدنى حائرا للغاية فى كيفية وضع امتحان لطلبة لم تتلقى القدر الكافى من المادة، ولم تتح لهم فرصة القيام بالمشروعات الفنية العملية التى أحرص دوما على أن تحتل الشق الأكبر من المنهج، إنها جريمة ترتكب فى حق أبنائنا ومستقبلهم بسبب الضمائر المجمدة – أو المستأصلة – التى يتخذ أصحابها مثل هذه القرارات، تذكروا أن أول لبنة وضعها محمد على فى بناء مصر الحديثة كانت التعليم، وها نحن نهدم ما تبقى من هذا البناء الذى تتكاثر عليه معاول الهدم منذ عقود مضت ولأسباب كثيرة ومعقدة يأتى على رأسها تخلى الدولة عن الاضطلاع بدورها وانعدام كفاءة من يتخذون القرار ومحدودية خيالهم.