بعيدا عن فن المؤثرات الخاصة وصياغة تيترات الأفلام يتخذ فنان المؤثرات عطية أمين في تجربته الإخراجية الأولى،في فيلم"المعدية"،تمثيل أحمد صفوت، إنجي المقدم،مي سليم ،أسلوبا واقعيا بسيطا للغاية تاركا قصة الفيلم التي كتبها د.محمد رفعت،تتدفق في مساحاتها الانفعالية التي تبدو ظاهريا مكررة التيمات لكن تكرارها جزء من ميلودراميتها العنيدة التي ترفض الانتهاء. ثلاثة أصدقاء حسين وفارس ومنصور في مقابل ثلاثة فتيات أحلام ونادية وإيمان، ستة شخصيات درامية لكنها على المستوى الاجتماعي والنفسي كأنهم ادم وحواء المصريين، حسين العائد من السفر بعد غياب ثلاثة سنوات يكتشف أن إيمان حبيبته الأولى التي سافر منهزما بعد أن رفضه أهلها قد طلقت من زوجها فيأخذه الحنين والرغبة في استكمال قصة الحب التي دمغتها الهزيمة أمام الظروف المادية ورفض الأهل. هذه التيمة المكررة جدا تكتسب عمقها النسبي بناء على شخصيات فارس صديقه الذي يحب أحلام أخت حسين والذي تبدو قصتهم هي بعث سيزيفي لبدايات القصة التي لم تكتمل بين حسين وأيمان، وهو ما يؤكد عليه تصاعد الصراع بين أحلام وحسين بسبب رفضه زواجها من فارس حين تصارحه أنه لا يرغب لقصتها هي وفارس أن تكتمل كنوع من الإسقاط الحاقد لفشله هو وإيمان قبل سنوات. في حين تمثل علاقة نادية بحسين زوجها النموذج الذي سوف تؤول له حياة فارس وأحلام لو أنصاعت أحلام لرغبة أخيها في تزويجها من رجل أخر غير فارس لمجرد أنه ميسور ولديه القدرات المادية التي تمكنه من"فتح بيت" بالمعنى الدارج للزواج في المجتمعات التي تعاني من آفة الفقر والانحدار الاجتماعي الهائل. بينما يمثل منصور الوجه الأخر لمستقبل فارس الافتراضي في حال استمر على نفس الوضعية المادية الشحيحة، فبعد أن كان شابا منضبطا يعمل في مجال الحراسة الليلية لأحد البواخر النيلية المخزنة يتحول إلى نصف تاجر مخدرات ونصف قواد مستغلا الباخرة التي كان يحرسها كوكر لتعاطي الحشيش وتأمين أماكن سرية لراغبي المتعة. هنا تمثل الشخصيات الثلاث في تجاورها وعلاقتها الوطيدة وحميميتها حركة داخل الزمن المعنوي وكأننا نتابع شخصية واحدة في ثلاثة أزمنة الأول قبل السفر والثاني بعد العودة والثالث فيما بينهما. المشاهد الأولى للقاء الأصدقاء بعد عودة حسين تمثل التأسيس الدرامي لفكرة العملة متعددة الأوجه خاصة وتم التعامل معها إخراجيا في لقطات واسعة تجمع الأصدقاء الثلاث في جلسة مزاج يتبادلون فيها التدخين من نفس"الجوزة"، هذه الجلسة التي تشهد حالة بوح وعتاب وفضفضة ركزت على الهم العام الذي بينهم وليس على مشاعر كل منهم الداخلية تجاه مشكلته الأسرية أو العاطفية أو الاجتماعية فإلى جانب اللقطات الواسعة التي تضم الثلاثة كان ثمة أكثر من لقطة ثنائية متوسطة تجمع وجهين للعملة حسين وفارس أو فارس ومنصور. وعلى الجانب المكاني فأن وضعية التقابل الميلودرامي بين شقة حسين التي تضم غرفة أحلام أخته وشقة إيمان العائدة بعد الطلاق هي تجسيد لفكرة إن أحلام وإيمان وجهين لنفس العملة قبل الهزيمة وبعدها- ومعنى الهزيمة هنا يأتي للتعبير عن فكرة الانسحاب من المعركة التي لم يستطع إيمان وحسين خوضها في سبيل حبهم والذي تعاتبه إيمان وتعاتب نفسها عليه في مشهد لقائهم السري في الباخرة التي يديرها منصور للقاءات مماثلة-. كذلك لا يمكن إغفال دلالات الأسماء التي تخلص في معانيها إلى الميلودراما الاجتماعية، ففارس يبدو في الكثير من ملامحه الخاصة بعيدا عن فكرة الوجوه المتعددة فارس بحق في طباعه وإخلاصه وطيبته ورغبته في التضحية من أجل حبيبته، وأحلام هي الأحلام التي لا تجد لنفسها سبيلا كي تتحقق أو ينالها فارس، في اليوم الأخير قبل سفره نراه يصطحبها على موتوسيكل/حصان حديدي، كي يمارسان مشاعرهما في حرية كاملة دون خجل وإن كانت نظرات الناس لا ترحمهم كعادة المجتمعات التي تمارس كبتا على كل ما هو حميمي كأنه عيب، لكن "الفارس"و"أحلامه"لا يلقيان بالا لأحد ويجوبان شوارع المدينة في لحظة تحقق نادرة وأخيرة قبل أن يرحل. بينما منصور يبدو أسمه سخرية أقرب للكوميديا السوداء من وضعه الإنساني والاجتماعي والنفسي فهو مهزوم أمام ظروفه المادية والاجتماعية حتى في محاولته الدفاع عن أخته ضد زوجها الذي يمارس عليها قسوة بدنية وشعورية منحطة بينما تقبل صاغرة فقط من أجل أن تظل على ذمته خوفا من الطلاق(وضعا ولقبا). إن دلالة المعدية لا تتخذ عمقها في الفيلم من مشاهد القارب الذي يحمل الشخصيات من وإلى الجزيرة النيلية التي يقيمون فيها ولكنها تلك المشاعر التي لا تصمد الشخصيات ضد واقعها إذا لم يتشبثوا بها كي تحمل كل طرف منهم إلى الأخر أو تحملهم سويا إلى البر الثاني حيث البيت بمفهومه الشعوري والمعنوي وليس فقط المادي المتمثل في الجدران والغرف. المعدية حكاية ميلودرامية تحاول الاشتباك مع واقع عام تمثله حقيبة السفر التي نراها في نهاية الفيلم ينزع احد الأصدقاء الثلاث اسم صاحبه عنها لكي تصبح بلا اسم وكأنها كل حقائب السفر التي يحملها كل شاب يقرر أن يهرب من واقع حاد وصلب بعد أن أعلن هزيمته. أحمد صفوت في أفضل حالاته، أنجي المقدم وضعت في اختبار الخضرمة بمشاهد قليلة أثبتت حجم الخبرة الشعورية التي اكتسبتها من تجاربها السابقة، مي سليم كارثة تمثيلية شكلا ومضمونا، هاني عادل فاتر بلا عمق انفعالي.