كانت الفرق الموسيقية الشعبية تملأ؟ ليالى القاهرة سمرا وبهجة قبل أن تغزوها ثقافة الكاسيت ومن بعدها ال "دي جي"، فالفرقة الموسيقية تصنع حالة فنية وإنسانية تضفى على المناسبة بعدا عميقا يتميز بالصدق والدفء، وعلى الرغم من كثرة عدد هذه الفرق، لاسيما الفرق النحاسية والتى تميزت من بينهم "فرقة حسب الله"، إلا أن هذه الفرق كانت أحيانا تعجز عن الوفاء بمتطلباتها، خاصة والمصريون كانوا لا يدخرون وسعا فى سبيل الاستمتاع بمناسباتهم وأفراحهم – كيف لا وهم لا يعرفون للفرحة طريقا إلا بشق الأنفس – وحتى لا يخسر أصحاب الفرق مكاسبهم المادية وسمعتهم الفنية فلقد فكروا فى كيفية تدبير العدد الملائم والذى يرضى ذوق أصحاب المناسبة، فاعتمدوا على عدد محدود من العازفين المهرة واستعانوا بأشخاص آخرين كديكور فقط، ومن هنا خرجت إلى الوجود مهنة "لابس مزيكا" وهو شخص يوجد مع الفرقة يرتدى زيها ويمسك بآلاتها ويتظاهر بالعزف عليها أيضا بل ويتمثل حالة الانتشاء التى تعلو وجوه العازفين الفعليين، ورويدا رويدا أصبحت هذه المهنة رائجة وأصبح لها متعهدوها الخبراء بتدبير كوادرها. ومع أن هذه الظاهرة قد اختفت فى عالم الفرق الموسيقية ارتباطا بالتغير الذى طرأ على نسق الاحتفالات لدى المصريين، بعدما شهد المجتمع العديد من التحولات فى أنساق التعامل وطرائق التفكير، إلا أن القدر لم يضن علينا أبدا ب"لابس مزيكا "، ولعل استعراض الوضع الكئيب الذى كانت عليه الحياة السياسية فى مصر قبل ثورة يناير 2011 خير دليل على ذلك، فالأحزاب فى معظمها كانت تقوم بدور تمثيلى لإضفاء شرعية مصطنعة لنظام مستبد جرف الحياة السياسة واقترف جرائم لا تعد ولا تحصى، وبعدما خرج المصريون ونفضوا عن كاهلهم نظام مبارك كان من المنتظر أن تتغير طريقة تفكير وتكوين الأحزاب السياسية، لكننا نجد أن هذه الكيانات الهلامية ماتزال تقوم بنفس الدور حتى الآن، مع تغيير بسيط فى بوصلتها حسب ما تقتضيه الحاجة بالطبع، وانضمت إليها كيانات سياسية تتخذ من الثورة ستارا تختفى وراءه ويحمل كل منها أجندته الخاصة والتى عادة ما تتعارض مع مصلحة هذا الوطن الذى تكالبوا جميعا عليه رغبة فى نهشه واستنزافه بشتى الطرق ،وشهدنا عدة أجنحة فى تيار اليمين المتطرف تعمل "لابسين مزيكا" لجماعة الإخوان الإرهابية، كما شهدنا أيضا من يعمل "لابس مزيكا" للنظام الذى ثار عليه المصريون، ومنذ 30يونية 2013 سقطت الأقنعة من فوق الوجوه وأسفر الكثيرين عن حقيقتهم وبات من الواضح أن المشكلة لا تكمن فى رأس النظام – أى نظام – فقط ، بل فى الكيانات السياسية والحزبية وفى طبيعة تفكيرنا نحن وفى الآلية التى نحكم بها على الأمور، إننا الآن نشهد كيانات تتصدر المشهد لا لشيء إلا للإيهام بأنها فاعلة ومؤثرة وتقوم بالتبشير لهذا أو لذاك، ومازال الطريق أمامنا طويلا حتى نتخلص من ال "لابسين مزيكا" الذين صدقوا أنهم عازفين مهرة من كثرة تمثيلهم لهذا الدور بينما هم يجهلون أسماء آلات العزف نفسها.