أخيرا ..صدر الحكم التاريخي لصالح المصريين بالخارج آمرا بإلزام الحكومة بانشاء لجان انتخابية بمقار السفارات والقنصليات يمارس فيها المصريون المقيمون بالخارج حقهم في التصويت في الانتخابات والاستفتاءات التي تجريها الدولة المصرية . ولا شك في أن هذا الحكم قد أعاد الأمور إلى نصابها متفقا في ذلك مع المبادئ الدستورية العامة والمواثيق الدولية..مؤكدا على أن هذا الحق هو من حقوق الإنسان الأساسية.. وبقراءة حيثيات الحكم يتبين أنه قد استند إلى نص المادة الأولى من قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج والتي تنص على أنه للمصريين فرادى وجماعات حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة الى الخارج, ولا يترتب على هجرتهم الدائمة او الموقوتة الإخلال بحقوقهم الدستورية أو القانونية التي يتمتعون بها بوصفهم مصريين. والحكم بمنطوقه وحيثياته جاء كاشفا لحق دستوري وقانوني ظل محل مصادرة علي مدار كافة الانتخابات والاستفتاءات التي مرت علي مصر في تاريخها الحديث ..والإقرار بعدم جواز الإخلال بالحقوق الدستورية والقانونية لهذا القطاع الهام من المصريين مؤداه عدم تجزئة تلك الحقوق ..وبالتالي لايمكن في حالة تنفيذ هذا الحكم الإكتفاء بإنشاء لجان انتخابية بمقار السفارات يتمكن من خلالها المصريون من التصويت لهذا المرشح أو ذاك وفقا لأي آلية يتم اختراعها!! , بل أن حق الانتخاب ” التصويت ” لايمكن فصله عن الحق في الترشح فكلاهما ملازم للآخر.. فمن له حق التصويت والاختيار له الحق في طرح نفسه للترشح والاختيار أيضا.. وبقراء قانون مباشرة الحقوق السياسية والمرسوم بقانون بانشاء اللجنة العليا للانتخابات وتحديد اختصاصاتها فلم يرد في أيهما أي ذكر لكيفية تنظيم تلك الحقوق , وهو الأمر الذي يعني بطلان كافة مراحل العملية الانتخابية التي تقوم بها تلك اللجنة لمخالفة أعمالها للمبادئ الدستورية المتعلقة بالمساواة بين المصريين وعدم التمييز فيما بينهم لأي سبب ولا سيما نص المادة 7 من الاعلان الدستوري والتي تنص علي أن “المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة ...” وبصدور الحكم بات لزاما علينا الشروع فورا في ابتكار الآلية المناسبة التي تضمن تفعيل هذا الحق علي الأرض وتلك الآلية تستلزم ادماجها ضمن القانون المنظم للعملية الانتخابية علي أن تتضمن صراحة حق المصريين في الخارج في الترشح مع تنظيم ذلك عن طريق تقسيم العالم لعدد من الدوائر الانتخابية يكون لها الحق في التمثيل داخل البرلمان من خلال نواب منتخبين من الجاليات المصرية في مختلف بلدان العالم ..ولعل التجربة التونسية خير مثال علي إمكانية تحقيق ذلك الأمر في مواجهة من يدعون صعوبته بل واستحالته ...إذ تضمن قانون الانتخابات التونسي نصا يعطي الحق للجاليات التونسية في الخارج في أن يكون لها 18 نائبا ضمن أعضاء المجلس التأسيسي ونجحت التجربة وتمت عملية الانتخاب في السفارات التونسية علي مستوي العالم يومي 22و23 الماضيين.. وصار للتونسيين في الخارج نوابا سيشاركون في وضع دستور بلادهم وبالعودة مرة أخرى إلى الحكم يتضح بجلاء استناده بصورة أساسية إلي النص الدستوري والي المواثيق الدولية التي تعد شأنها شأن القانون الوطني في وجوب تطبيقها ولايجوز أن تتعارض معها التشريعات الداخلية كما لا يجوز التحايل عليها بأي صورة من الصور..وهو ما يعني أن المجلس القادم وفقا لاجراءات انتخابه الحالية والخالية من اعطاء الحق كاملا للمصريين في الخارج علي قدم المساواة مع المصريين في الداخل ..فإنه باطل لا محالة لإستبعاده قطاعا كبيرا من أبناء الوطن يبلغ تعداده 8 مليون مصري أي 10 % من تعداد الشعب المصري .فلا مفر يا سادة من وقف الاجراءات السارية الآن مع إدخال التعديل التشريعي اللازم وفقا لآليات التنفيذ ..ثم إعادة فتح باب الترشيح من جديد ..فذلك أفضل كثيرا من أن يأتي مجلس سيكون هو والعدم سواء.