مر 45 عامًا على صعود روحه الطاهرة إلى بارئها..هنا في "العلامة رقم 6″ وعلى مسافة لا تزيد عن 250 مترا من نيران العدو، كان البطل عبد المنعم رياض يشرع قامته النبيلة ويطلب الثأر عبر الشهادة، يحصي الثواني ليوم الحساب، يتوق للحظة متحررة من غيم الخديعة، ويركض ساطعا كوهج النور نحو حلم الشهادة، يعلم أن للفردوس أبوابًا، وقد اختار باب الشهداء، فإذا بالغياب حضور يزداد توهجا مع الأيام والسنين. نعى الرئيس جمال عبد الناصر يومئذ للأمة العربية "رجلا كانت له همة الأبطال وتمثلت فيه كل خصال شعبه وقدراته وأصالته"، موضحا أن الشهيد عبد المنعم رياض، كان في جبهة القتال وأبت عليه شجاعته إلا أن يتقدم إلى الخط الأول بينما كانت معارك المدفعية على أشدها، وقف البطل في الخندق الأول على خط النار مفردا في صيغة وطن وحلم شعب وقضية أمة، ومن هنا اختار "فارس الشهداء" عبد المنعم رياض أن يوجه الرسالة لكل من يعنيه الأمر:«مصر لن تموت رغم غيوم الخديعة وجبروت الغدر والمكر المخاتل، مصر باقية شامخة مابقى الزمان والمكان». فى صباح يوم 9 مارس، اختار رئيس أركان حرب القوات المسلحة عبدالمنعم رياض، موقع "6″ بالإسماعيلية، الذى لايبعد سوى 250 مترا عن موقع العدو بالبر، ليتوجه إليه؛ ليرى بنفسه تنفيذ خطة تدمير خط بارليف، التى بدأت بالفعل فى اليوم السابق، وفى عملية خسيسة مخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية، انطلقت نيران العدو على موقع البطل واستمرت المعركة التى قادها أكثر من ساعة ونصف، ولكن شاء القدر أن تسقط إحدى الدانات بالقرب من الحفرة التى قاد منها المعركة ليستشهد القائد وسط جنوده، ليختم بذلك الفريق عبدالمنعم رياض حياة مليئة بالبطولات والإنجازات التى حققها على الصعيد العسكرى وجعلت أساتذة الأكاديمية العليا للاتحاد السوفيتى يطلقون عليه الجنرال الذهبى. ولد الشهيد البطل فى الثانى والعشرون من شهر أكتوبر 1919 فى قرية "سبرباى" إحدى قرى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وكان عبد المنعم رياض طفلا ذكيا نشيطا لماحا يمتاز بحب الاستطلاع والاكتشاف ما جعله يسبق أقرانه فى تفوقه العمرى بمراحل، وكان والده يتبأ له بمستقبل باهر، حفظ أجزاء من القرآن وقد حصل على الشهادة الابتدائية عام 1931 من مدرسة الرمل بالإسكندرية، وتوفى والده وهو مازال فى الثانية عشر من عمره، وكان يغلب عليه الاهتمام بالقراءة وعاشقا للسؤال والاكتشاف ومعرفة العالم من حوله، وفى المرحلة الثانوية بدأت تتشكل شخصيته ويتحدد هدفه، وكان له اهتمامات أخرى بالرياضة والكشافة والبلاغة، وعرف عنه حبه للزعامه وقدرته على احتواء زملائه. التحق "رياض" بالكلية الحربية فى 1936، وحقق حلمه، وتفوق على ذاته، وكان يحيا بفكر ضابط وعقلية عالم، وكان دائما صاحب فكر ورأى مؤثر فى الأحداث من حوله، ولم يرض بالظلم أو الإهانة، مما جعله مشهورا فى كليته بعزة النفس والدفاع عن حقوقه وحقوق زملائه بكل أدب وشجاعة وكرامة، وانتسب إلى كلية التجارة وهو برتبة الفريق لايمانه بأهمية الاقتصاد في الاستراتيجية، واحتفظ في مكتبته العامرة بكتب الاقتصاد والعلوم والحرب والسياسة فيما حصل على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية أركان الحرب بعد ست سنوات فقط على تخرجه من الكلية الحربية. فى محاضرة ألقاها قبل عدوان يونيو 1967 بشهر واحد قال فيها «لن تكتفى إسرئيل برقعتها الحالية، والخطوة التالية عندها هى الاستيلاء على الضفة الغربية، ولها تطلعات فى الإقليمين السورى والمصرى، تسعى إسرائيل إلى التفوق النووى حتى تتغلب على وحدة العرب وتعوض- عن طريق الرعب النووى – التفوق العربى الاقتصادى والبشرى»، وهذا ما يحدث الآن مع إسرائيل وما تفعله فى الشرق الأوسط عامة وفلسطين ولبنان وغزة، خاصة وبعد وفاته بأكثر من أربعين عام لايحتاج إلى تعليق». كان فارس الشهداء و"صاحب التفكير المختلف" يؤمن بأن الغد سيكون أفضل من اليوم، ويرى أن مكان القادة الصحيح وسط جنودهم، وأنه لابد من الجندى المثقف والفرد المتعلم في المعركة..هنا كان يبدع ثقافة جديدة، كان الشهيد واثق بعدالة القضية وشرف الحرب وضرورة الثأر حتى لاتنحني الجباه ويموت الأمل والمعنى،هنا في الموقع رقم 6 كان لسان حال فارس الشهداء والجندي المثقف يقول:«ياوطني لاتحزن أن سقطت قبل موعد الوصول فالدرب طويل وسنعبره على مشاعل الدماء وبأرواح الشهداء».