مع مرور الذكري ال 44 علي تدمير ميناء "ايلات" الإسرائيلي، تلك العملية التي قام بها رجال الضفادع البشرية بالقوات المسلحة المصرية، والتي كانت وقتها من أقوي العمليات التي استنزفت قوات العدو خلال حرب الاستنزاف قبيل نصر أكتوبر المجيد، ووجهت خلالها القوات المصرية ضربة قاسمة في وجه قوات الاحتلال، واوقعت بها افدح الخسائر . يحكي الرائد "سمير نوح" أحد أبطال الفرقة 39 قتال لل "البديل"، تلك العملية العسكرية العبقرية التي أوقعت خسائر فادحة بالعدو قائلاً " نجحت رجال الضفادع البشرية بالقوات المسلحة المصرية في القضاء علي ميناء ايلات الإسرائيلي من خلال ثلاث غارات : "الإغارة الأولي" تمت الغارة الأولي علي ميناء ايلات يوم 16 نوفمبر 1969، كانت تستهدف تلك الغارة السفن الحربية والرصيف الحربي للميناء، جاءت تلك العملية رداً على الإغارة الإسرائيلية على موقع الرادار المصرية، في المنطقة بين أبو الدرج والزعفرانة، التي نجحت من خلال عمليات إبرار بحري من الاستيلاء على الرادار، فقررت القيادة المصرية، تنفيذ عملية الإغارة على سفن الإبرار، التي نفذت عملية أبو الدرج والمتمركزة في ايلات . قاد تلك العملية الرائد "رضا حلمي" بالتعاون مع الملازمين أول "نبيل عبد الوهاب، عمر عز الدين حسين جاويش"، والرقيب "فوزي البرقوقى " شهيد العملية الوحيد، بدأت العملية بتوجه المجموعة على إحدى طائرات النقل المصرية، إلى إحدى المطارات العراقية، على زعم أنهم أفراد من منظمة فتح، وأن الصناديق التي معهم هي معدات خاصة بالمنظمة، ثم انتقلوا إلى بلدة "الطفيلة" بالأردن، حيث تجمعوا انتظاراً لوصول باقي أفراد الضفادع من القاهرة . وفي الساعة الحادية عشرة والنصف، من مساء يوم 14 نوفمبر 1969، تحركت المجموعة من عمان في اتجاه العقبة، على غير الطريق التقليدي، حتى وصلوا إلى مكانهم حوالي الساعة الواحدة والنصف ظهر يوم 15 نوفمبر، إذ كان المفترض أن يتم تنفيذ العملية الليلة التالية، حتى ينال الأفراد قسطاً من الراحة، ولكن قائد العملية قرر تنفيذها في الليلة نفسها، خشية أن يحدث أي تغيير في الموقف . وفي الساعة الرابعة والنصف، بدأ تحرك المجموعة في اتجاه ايلات، وكانت حالة البحر سيئة والرياح شديدة، وتم قطع المسافة إلى ميناء ايلات في ثلاث ساعات حيث بدأت المجموعة الأولى في النزول إلى الماء، ثم المجموعة الثانية، ثم الثالثة، وفي أقل من ثلاث دقائق كانت المجموعات الثلاث في الماء على بعد كيلومترين من أرصفة ميناء ايلات، وكان من المخطط أن ينتظرهم القارب المطاط في المكان نفسه، لالتقاطهم بعد انتهاء العملية، ما بين الساعة الثانية عشرة والنصف، حتى الواحدة من صباح يوم 16 نوفمبر . وفي الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق، وصلت المجموعات إلى مسافة 150 متراً من الهدف، ثم بدأت في الغطس لتلغيم السفينتين "هيدروما" و"داليا" الراسيتين في الميناء، وتمت العملية بنجاح، ثم بدأت رحلة العودة سباحة إلى الشاطئ الأردني، وفي تمام الساعة الواحدة وثلاث عشر دقيقة سُمع دوي هائل لانفجار في ميناء ايلات، ثم تلاه انفجارات أخرى، كانت جملتها خمس انفجارات، دمرت السفينتين الإسرائيليتين . "الإغارة الثانية" في 5 6 فبراير 1970 استهدفت القوات سفينة الإمداد والإبرار البحري "بيت شيفع" وناقلة الجنود "بات يام"، قاد العملية الرائد "مصطفى طاهر"، الملازم أول "رامي عبد العزيز"، والرقيب "فتحي محمد"، الملازم أول "عمرو البتانونى"، الرقيب "على أبو ريشة" . بدأت العملية عقب الإغارة الأولي الناجحة، التي قام به أفراد الضفادع البشرية على ميناء ايلات، يومي 15 16 نوفمبر 1969، حيث أصيب الإسرائيليون بفزع شديد، وصدرت التعليمات للسفينتين "بيت شيفع" و"بات يام" بعدم المبيت ليلاً بأي من المواني الإسرائيلية، حتى يتفادوا إغارات الضفادع البشرية المصرية . وكان على تلك السفن الإبحار طوال فترة الليل، مما لا يعطي الفرصة لمهاجمتها وإغراقها، لكن شاء القدر شيئاً آخر، فأثناء تفريغ بعض المعدات والألغام، التي قامت بنقلها السفينة "بيت شيفع" من شرم الشيخ إلى ايلات، وأثناء إنزال إحدى العربات المدرعة، التي كانت محملة بكمية كبيرة من الذخائر، حدث بها انفجار أدى إلى مقتل حوالي 60 فرداً من القوات الإسرائيلية، على رصيف إيلات الحربي، وانبعاج شديد في الباب الأمامي للسفينة، الذي يعمل "هيدروليكياً"، وكان لا بدّ من إصلاح هذا الباب، حتى تتمكن السفينة من الإبحار . وصلت إلى قيادة القوات المصرية معلومات، من الاستطلاع المصري في العقبة، تفيد بأن السفينة "بيت شيفع" راسية على الرصيف الحربي، ويجري العمل في إصلاحها ليلاً ونهاراً، وأنه في تقديرهم، أن عملية الإصلاح سوف تستغرق من 5 7 أيام . وبدأ على الفور التخطيط لعملية إغارة جديدة على ميناء ايلات الحربي، بهدف تدمير سفينة الإنزال "بيت شيفع"، وأي وحدات عسكرية أخرى بالميناء، وتقرر هذه المرة أن تكون نقطة الانطلاق، منطقة الاستحمام بشاطئ العقبة، بجوار فندق العقبة "هوليداي"، على أن يكون الذهاب إلى الأهداف بميناء ايلات ثم العودة، سباحة لحوالي أربعة كيلومترات، وكان في وسع أفراد الضفادع البشرية المصرية، أن تقطعها سباحة ذهاباً وعودة حاملين معهم ألغامهم . وصدرت التعليمات لدراسة تفاصيل العملية على الطبيعة، وبعد استطلاع منطقة الهدف، لقنت المجموعة المكلفة، بالتعليمات النهائية طبقاً لآخر معلومات، عن ميناء إيلات، ومكان إرساء كل من ناقلة الجنود "بيت شيفع"، وكذلك السفينة المسلحة "بات يام"، كما تم تحديد خط سير الاقتراب، وخط سير العودة . في اليوم المقرر لتنفيذ العملية واصل الأبطال في السباحة تجاه "إيلات" إلي أن اقتربوا من الهدف وهذا وضح لهم من الموجود في الأعماق من شباك والمتحرك فوق الماء من دوريات لقوارب خاصة مهمتها تفجير عبوات ناسفة في الأعماق لاصطياد أي ضفادع بشرية ومن طلعات الهليكوبتر التي تطلق طلقات كاشفة في السماء تبدد الظلام علي وجه المياه، اقتربت الساعة من منتصف الليل وهذا التوقيت يعني أنهم أصبحوا علي قرابة الكيلو متر من "إيلات" وكانت تلك اللحظة هي نقطة تجمع اربعة من أبطال المجموعة لمراجعة نهائية لخطة التدمير واختبار أخير للمعدات وبعدها يكون الفراق . المجموعة الأولي البتانوني وأبو ريشة كانت مهمتها تدمير "بيت شيفع" والثانية رامي عبد العزيز وفتحي محمد علي ومهمتهما تدمير "بات يام". وقبل أن يفترق الأبطال ظهرت مفاجأة لم تكن علي البال، وهي أن الرقيب "فتحي محمد علي" فوجئ بأن اسطوانة الأوكسجين الخاصة به فارغة وهذا معناه أنه لن يستطيع الغوص ولم يستغرق الأمر وقتاً، حتى قرر قائد المجموعة الثانية أن يكمل المهمة منفرداُ ويعود زميله عائما إلي النقطة التي نزلوا فيها المياه بالعقبة . وبدأ الجزء الأخير من المهمة الخارقة، وغطس الأبطال الثلاثة حتى وصلوا إلي الشباك وغطسوا إلي أن عبروا من تحتها، وفي الوقت المحدد تم التلغيم، لغمان "لبيت شيفع" ولغم "لبيت يام"، والتفجير بعد ساعتين وليس بعد أربع كما كانت الخطة، وكان التبكير ساعتين تم بإصرار من قبل الأبطال رغم أنه يمثل خطورة عليهم، لكنهم أرادوا أن يطمئنوا علي نجاح العملية وهم في أقرب مسافة منها ربما ليستمدوا قوة علي قوتهم عندما يرون بعيونهم إيلات الميناء وقد تحول إلي جحيم، وبدأت رحلة العودة وابتعد الأبطال عن إيلات ليصعدوا إلي سطح الماء ويواصلوا السباحة بكل ما يملكون من قوة لأن كل متر يبتعدون فيه عن إيلات له ثمنه الغالي . الوقت يقترب من لحظة الصفر التي هي نهاية الساعتين، والمشاعر متداخلة وقلق هائل، كل واحد من الثلاثة أبطال مرعوب من أن يكون قد حدث سهو أو خطأ في تثبيت اللغم أو ضبط جهاز التفجير، خوف هائل مشروع ووارد في مثل هذه الأمور من أن تفشل المهمة لسبب هم لا يجدونه في فكرهم، الوقت يقترب ولحظة الصفر علي بعد ثوان فقط، وفجأة انفجر اللغم المثبت في قاع سفينة الكوماندوز "بيت يام" لتتحول في لحظة إلي أشلاء تطايرت في الهواء، أما السفينة "بيت شيفع" فنتيجة لانفجار وغرق السفينة "بيت يام" قبل انفجار الألغام في "بيت شيفع"، فقد أعطاها ذلك فسحة من الوقت لكي تتحرك إلى منطقة ضحلة بالميناء، حيث شحطت، وكان ذلك سبباً في أنها لم تغرق تماماً، على الرغم من أن قوة التدمير كانت شديدة، والخسائر فادحة . وخرجت القوات البحرية الإسرائيلية وطائرات الاستكشاف والضوء والقنابل المضيئة علي الفور، بحثاً عن الأبطال ولكنها اراده الله، أقوي من أي ارادة حيث وصل الثلاثة أبطال إلى شواطئ الأردن . الإغارة الثالثة كانت الاغارة الثالثة على ميناء ايلات 14 15 مايو 1970 علي مرسى السفينة "بيت شيفع"، وذلك نتيجة لعدم غرقها بالكامل خلال الإغارة الثانية، قاد العملية الرائد "رضا حلمي"، بالتعاون مع الملازم أول "عمر عز الدين"، والرقيب "على ابو ريشة"، الملازم أول "نبيل عبد الوهاب"، و الرقيب "فؤاد رمزي"، بدأت الإغارة الثالثة لرجال الضفادع البشرية المصرية، على ميناء ايلات، عقب تغيير قيادة السلاح البحري الإسرائيلي، واتبعت القيادة الجديدة أسلوب إخلاء الميناء، قبل الغروب بساعة، حتى صباح اليوم التالي، وكان ذلك يكبدهم تكاليف باهظة، فضلاً عن الإرهاق لأطقم السفن والوحدات البحرية . من هنا نشأت فكرة العملية الثالثة، حيث وصلت معلومات من المخابرات الحربية تفيد، أن سفينة الإمداد "بيت شيفع" قد تم إصلاحها بعد التدمير، الذي أصابها أثناء عملية الإغارة الثانية، غير أنها كبقية السفن، تغادر الميناء كل ليلة، وتعود إليه في صباح اليوم التالي، وكان لا بد من إيجاد وسيلة لتعطيل "بيت شيفع"، عن الإبحار، وإرغامها على قضاء ليلتها في ميناء إيلات، ولو ليلة واحدة، حتى يمكن مهاجمتها وإغراقها . وتتلخص فكر القيادة في وضع لغمين كبيرين، يحتوي كل منهما على مائة وخمسة وعشرين كيلوجراماً من مادة "الهيلوجين"، على القاع أسفل الرصيف الحربي، الذي ترسو عليه "بيت شيفع" عند دخولها إلى الميناء صباح كل يوم، وتحدد يوم السبت "يوم السكون الإسرائيلي" 14 مايو 1970 لتنفيذ العملية، وفعلاً تم وضع اللغمين كمرحلة أولى في الأماكن السابق تحديدها، ولكن اللغم الأول أنفجر في الساعة السابعة وخمس وثلاثين دقيقة، من صباح يوم 15 مايو على غير انتظار، وخلافاً لما تم ضبطه على جهاز التفجير، وفي الوقت نفسه تأخر وصول السفينة "بيت شيفع" حتى الساعة الثانية عشرة إلا خمس دقائق، أي أن الناقلة هي الأخرى وصلت بعد الموعد المحدد لوصولها بحوالي ست ساعات . أما اللغم الثاني، فانفجر في الساعة التاسعة والنصف، من صباح يوم 15وعلى الرغم من أن العملية لم تحقق الهدف الرئيسي لها، إلا أنها حققت بعض الأهداف، التي أثرت في القوات الإسرائيلية وزعزعت ثقتهم في قيادتهم، ومقتل عدد كبير من رجال الضفادع البشرية وقواتهم . هذا وتبقي قوات الجيش المصرية هي من أفضل جنود الأرض التي ضربت أروع الأمثال في التضحية بكل ما هو عزيز وغالي في سبيل حماية الوطن ورفعته وعزة أراضيه .