انتظر عشاق كرة القدم من جميع أنحاء العالم لا سيما عشاق الدوري الإنجليزي بشغف قمة مساء الإثنين التي جمعت مان سيتي صاحب أقوى هجوم في الأرض حاليا، وتشيلسي العتيد والعنيد وصاحب المدرسة التكتيكية المتميزة، ولم تخيب المباراة ظن من انتظرها وأسفرت عن تقديم الفريقان لعرض كروي فريد وواحدة من أجمل مباريات العقد الأخير برغم أنها لم تشهد اهتزاز الشباك سوى مرة واحدة. جمال تلك المباراة وروعتها لم تأت نتيجة مهارات فردية أو جماعية للاعب أو مجموعة لاعبين، ولم تأت من أفضلية ساحقة لفريق على الآخر واستعراض عضلاته عليه، ولكن متعتها الحقيقية نبعت من التكافؤ التام في القوة والاندفاع والإمكانيات والدوافع والذكاء بين الفريقين ومدربيهما، فوجدنا أنفسنا أمام متصارعين متساويين في القوة أو بين عبقريين أمام رقعة شطرنج وكل منهما يريد أن يثبت أنه أذكى من منافسه. تشيلسي فاز بهدف لمدافعه الصربي إيفانوفيتش، وجاء فوز البلوز لأنه كان الأفضل وكان مدربه أكثر دهاءً، إلى جانب أنه كان متواضعا وأعطى الخصم حقه الكامل وهي الغلطة التي ارتكبها مدرب السيتي فدفع ثمنها الخسارة الأولى على أرضه بعد 11 انتصار متتالي. وقبل التعمق فيما فعله المدربان خلال المباراة هناك مجموعة من الأرقام الهامة التي أثرت بشكل مباشرة على مجريات اللقاء، وأول تلك الأرقام هو أن مان سيتي يمتلك أقوى هجوم في أوروبا والعالم منذ بداية الموسم بإجمالي 115 هدف في جميع البطولات، إلى جانب أن الفريق حقق منذ بداية الموسم 11 فوزا متتاليا على أرضه من 11 مباراة، كما أن شباكه لم تستقبل خلال هذه المباريات سوى 5 أهداف منها 3 من أرسنال ولكنه فاز بالستة، وهدف من مانشستر يونايتد وفاز برباعية، وهدف من إيفرتون قبل أن يرد عليه بثلاثة، وانتصر الفريق في آخر 8 مباريات بالدوري وهو رقم لم يسبق للسيتي تحقيقه منذ 109 أعوام! السيتي اعتمد في جميع انتصاراته السابقة على طريقة أداء معينة وقوة شخصية نجح في فرضها على الخصوم فكانت النتائج المفجعة والقياسية في تاريخ النادي. هذه العوامل تسببت على عكس المفترض في إضعاف السيتي نسبيا أمام البلوز، لأنه دخل المباراة دون إعطاء خصمه حقه الكامل وهو خطأ فادح لمدربه المخضرم مانويل بيليجريني، الذي اعتقد أن تشيلسي لن يختلف عن الباقين وأنه سيدخل اللقاء مندفعا هجوميا أمام فريق لا يحذق سوى الدفاع ومع توالي الضربات سيخطئ مدافعوه ولو مرة تكون كافية لملامسة شباك تشيك، وهذا ما اتضح جليا في تصريحاته قبل المباراة مباشرة والتي أكد فيه أنه غير مهتم بالأسلوب الذي سينتهجه تشيلسي وسيستمر في اللعب بالأسلوب المعتاد. ولكن أسلوب السيتي المعتاد يوجد به عيب قاتل وهو الاعتماد على لاعبين اثنين فقط في وسط الملعب هما في المعتاد يايا توريه وفرناندينيو، الأول منهما متفرغ للهجوم تاركا خط الوسط بأكمله للاعب واحد في التغطية، ولكن هذه المشكلة لم تظهر في المباريات السابقة لأن معظم الفرق تلجأ للدفاع فقط لإغلاق المنافس على الترسانة الهجومية النارية للفريق. وعندما أصيب فرناندينيو قبل المباراة ومن قبله جارسيا لم يجد مانويل بجواره من يستطيع لعب نفس الدور، ولكنه اغتر في فريقه فاعتمد على ديميكيليس في نفس المركز فأصبح وسط ميدانه عاريا أمام خط وسط حديدي فخسر المعركة، وكان من الأفضل لمانويل مع الغيابات المؤثرة أن يبدأ اللقاء بشكل متوازن بزيادة العدد في وسط الميدان والاستعداد للمباراة البدنية المنتظرة كما فعل منافسه. على الجانب الآخر كان مورينيو غاية في الذكاء ودرس مواطن القوة والضعف لمنافسه بشكل دقيق فنال التفوق، فمورينيو أدرك أن مواطن قوة السيتي تكمن في الثلاثي سيلفا ونافاس وتوريه وأمامهم ثنائي مرعب من الثلاثي دجيكو ونيجريدو وأجويرو، ولكنه بدوره يمتلك أقوى خط دفاع في البلاد ومجموعة من الخبرات التي مرت بعشرات الاختبارات الصعبة أمام أعتى خطوط الهجوم في العالم، أما الضربة القوية لمورينيو بالفعل فكانت في ثلاثة أسماء (ماتيتش – أزبيليكويتا – راميريز)، فالأول عندما تعاقد مع مورينيو في بداية سوق الانتقالات ب25 مليون يورو لم يفهم الكثير السبب في دفع هذا الرقم بمحور ارتكاز صربي شاب استغنى عنه الفريق قبل عامين ضمن صفقة انضمام لويز للفريق، ولكن ظهرت رؤية المدرب الثاقبة وحصل ماتيتش على جائزة أفضل لاعب في المباراة، نظرا للأدوار التكتيكية المذهلة والقدرة الهائلة على احتواء صانع ألعاب السيتي يايا توريه والقوة البدنية الكبيرة، إلى جانب الانطلاقات الهجومية ما منح تشيلسي أفضلية ساحقة في وسط الملعب على مضيفه. أما أزبيلكويتا والذي برغم لعبه في الأساس ظهير أيمن إلا أن مورينيو أصر دائما على الدفع به كظهير أيسر على حساب واحدا من أفضل ظهراء الجنب في التاريخ وهو أشلي كول، واتضح جليا مبرر مورينيو على هذا الإصرار خلال تلك المباراة نظرا للأدوار الدفاعية الرهيبة التي أداها اللاعب في الوقوف سدا منيعا أمام زاباليتا ونافاس وقدم مباراة بدنية لا تصدق. أما راميريز فكعادته كان الورقة التكتيكية الرابحة للفريق، ولكن في مباراة الأمس تحديدا منح فريقه أفضلية هجومية كبيرة وكان وراء أكثر من خمسة أو ستة فرصة حقيقية للتهديف للبلوز، إلى جانب أدواره الدفاعية المعتادة، وقدرته على معاونة إيفانوفيتش في إيقاف نسبي لقوة الجبهة اليسرى للسيتي المكونة من كولاروف وسيلفا. الخلاصة تقول أن المدربين قدما كل يمتلكانه ولكن أحدهما اجتهد فقط، والآخر اجتهد وأصاب، فبيليجريني ألقى بكل أوراقه الرابحة في بداية المعركة، فعندما احتاج إلى تغيير الأسلوب لم يجد ما يفعل، وكان أمامه داهية عرف يستخدم كافة الأوراق ورسم سيناريو وتنفيذه بإتقان فكان الانتصار.