الألوف التي رأيتها أمس أمام لجنة الإستفتاء، تهتف بحياة الفريق أول عبدالفتاح السيسي وترفع صوره في طريقها للتصويت على الدستور، ونحن معهم وإن اختلفت طريقة تعبيرنا، حيث نؤمن بهم "قادة ومعلّمين" فلا نتعالى عليهم ولا ننظّر لهم ولا نحرمهم حقهم في اختيار طريقة بسيطة وعفوية وصادقة يعبّرون بها عن حبهم للرجل على اعتباره ممثلاً للجيش (عامود الخيمة والمؤسسة الأعرق والأقدم والأكثر تماسكًا وصلابة)، ويقود الدولة المصرية في معركتها من أجل البقاء والمستقبل، في لحظة تاريخية تحتّم التضامن.. تأييدهم – أي الألوف التي هي جزء من طوابير بالملايين – لن يظل هكذا بالمجان، وإن كانت الجموع الشعبية تقدّر المرحلة وظروفها، وتمنح لمن تختاره تفويضًا للعبور منها، فإنها في الوقت ذاته تطمح كحق لها وليس منحة يجود بها من بيده القرار، في رؤية -على الأقل- بشائر تنمية حقيقية شاملة تضمن حدًا معقولاً من الرفاهية الإقتصادية والإجتماعية وقرارات ثورية جذرية تضمن للوطن أمنه وكرامته وإستقلاله. فالشعب الذي يعلن تأييده في شوارع وميادين مصر للقيادة السياسية حاليًا، لا يمنحه لشخوصهم المجرّدة بقدر ما يمنحه لما لمسه فيهم من إخلاص وما رآه في قراراتهم السابقة من تحدٍ ووطنية وما ينتظره من أحلام تتحقق على أيديهم في إطار برامج يشترك في صنعها ممثلون لهم، وبغير النظر للتأييد على أنه تكليف وعبء، سينقلب إلي نقمة ولن ترى الملايين المانحة بصدق ووفاء في قادة البلاد سوى إمتداد لنظامي "مبارك" و"مرسي" وإن اختلفت الشعارات والمسميات، وأقل ما يتوقع حينها هو العزوف عن التأييد والإمساك عن المنح، أما أوسطه وإن تأخر بسبب تقديم الشعب بفطرته العادية لمعركته الرئيسية على معاركه الثانوية، فهو إنتفاضة شعبية على غرار ماجري في يناير 2011 ويونيو 2013 ليشرّفوا إلي جوار أسلافهم في القفص ، أما اكثره فلا يعلمه إلا الله، غير أنه بالتأكيد سيكون وبالاً على الجميع. ما أقوله يمكن اعتباره موقف أسجله أو خاطر أنقله أو رأي أشاركه، غير أن ما أطمح فيه حقًا هو أن يكون رسالة موجهة، تدعم أو تفيد من له أن يتلقاها فيدرك أن الشعب ظهرًا وسندًا وحاميًا حين يؤمن به ويدرك متطلباته ويستمد من أحلامه جرأة تقوده إلي المستقبل، وطوفانًا وبركانًا وزلزالًا حين يلوح بنظره بعيدًا عنه ويتصور أنه زعيم في المطلق بدونه أو أن أحلام البسطاء من أبنائه في لقمة العيش الكريمة رفاهية يملك تحديد وقت تحقيقها . فالخصوم والمنافسون على كعكة الحكم، الذين يتم تصفيتهم واحدًا تلو الآخر، إفساحًا للمجال، ويهتف لسقوطهم الملايين. عابثٌ وجاهلٌ من يتصور أن هتافهم نتجية لغيبوبة يعيشون فيها أو إستجابة لمفعول تميمة سحر ألقيت عليهم في ظروف معينة، وإنما يهتفون ويؤيدون ويباركون ويبايعون لأنهم يرون أغلبهم بالأساس خصومًا للوطن ومصلحته وحاضره ومستقبله، وعندما تستشعر الجموع أن الأمر تحول إلي لعبة سياسية وتجارة بفِطَرهم "جمع فِطرة – وتعني: مجموع الاستعدادات والغرائز التي تولد مع الإنسان ومنها الحاجة للإنتماء للأهل والوطن"، لن ينتقلوا إلي الجبهة الاخرى ولن يباركوا خصوم وطنهم، وإنما سيضعون الجميع في سلة واحدة ويصبون على الكل نار غضبهم وسيلعنون وجودهم ولو ظل الأمر حبيسًا داخل صدورهم –حتى حين-. ما نرجوه من الله ولا يُرجى سواه، أن يرى الملايين من أبناء الشعب على اختلاف طبقاتهم وأغلبهم لا يفارقون دائرة الفقر ومحدودية الدخل، غدًا لا يتأخر ولا يضيع زهوه بسبب المماطلة، ينعمون فيه لا نقول بالحياة المثالية ولكن بمقدماتها، وأن يتنفسون "نصف" الصعداء حين يرون بشائر مستقبل أفضل سيعيشه أبناؤهم، وأن لا تظل النخب الحاكمة محصورة في دائرة الصراع مع النخب المعارضة لا ترى في أهل البلد "أول من يضحي وآخر من يطالب" سوى جماهير تهتف عند الإنتصار، لأن فيه هلاكهم، وفيمن سبقهم تكفي العِبَر.