استمر أجدادنا الفراعنة في بناء الهرم الأكبر، أو هرم الملك خوفو (حكم في الفترة من 2551 حتى 2528 ق. م.) فترة 20 عاما. وظل هرم خوفو أطول مبنى في العالم طيلة ثلاثة آلاف وثمانمائة عام، لا يضارعه أي مبنى، حتى أقيمت كاتدرائية لينكولن حوالي عام 1300م. وبالمثل جاء الملك خفرع – أحد ملوك الأسرة الرابعة (حكم خلال الفترة من 2520 حتى 2494 ق. م.) ليشيد الهرم الثاني، بالإضافة إلى تمثال أبو الهول، ثم الملك منكاورع "منقرع" (حكم خلال الفترة من 2490 حتى 2472 ق. م) الذي شيد ثالث الأهرامات. آلاف من سنوات زخرت بحضارة لم تدانيها أية حضارة إنسانية توجزها سطور قليلة، وربما تنبئ بحجم الإنجاز وقدرة المصريين الفراعنة وازدهار شتى العلوم لديهم. ولأن القاعدة البشرية الراسخة تؤكد أن «الهدم دوما أيسر من البناء»، جاء الأحفاد ليختاروا الأكثر يسرًا وسهولة، فضاعت معالم الحضارة، وبقيت محض آثار… إلى هنا ليس ثمة جديد يقال، لكن الأيام القليلة الماضية شهدت جديدًا مؤلمًا، ربما لو علمه أجدادنا الفراعنة أصحاب هذه الحضارة المعجزة، لترددوا في ترك هذا الإرث لنا. ففي مدة 14 دقيقة فقط، هدم أحفاد الفراعنة كل هذا الموروث الإنساني والحضاري، ودنسوه بالموافقة على تصوير أحد أفلام البورنو أمام هذه البناءات التي عجز كل البشر على محاكاتها. «البديل» تفتح ملف هذا «الانتهاك» للتاريخ المصري، ولعظمة حضارة هذه الأمة التي سبقت وقادت العالم، لتتابع البلاغ الذي تقدم به أحد المحامين إلى المستشار هشام بركات – النائب العام، بعد انتشار «الفيلم الجنسي» المصور بمنطقة الأهرامات، على شبكة الإنترنت، حيث تظهر معجزة الأهرامات في الخلفية، بينما تمتلأ الشاشة بممارسات عهر ودعارة جسدية، أقرتها عقول عاهرة داعرة فكريًا بالموافقة على تلويث مصر وآثارها. يقول مصطفى شعبان – المحامى، إنه تقدم ببلاغ إلى النائب العام برقم 229 لسنة 2014 لفتح التحقيقات فى واقعة تصوير فيلم «بورنو» بجوار سفح الهرم، وتم رفع الفيلم على مواقع التواصل الاجتماعى فى سبتمبر 2013، مستنكرا غياب شرطة السياحة أو الآثار. وأضاف «شعبان» أن تصوير الفيلم الإباحى تم بالتواطىء مع المسئولين عن حماية الآثار، معربا عن أنه تقدم بالبلاغ ضد كل من مدير أمن الجيزة ورئيس شرطة السياحة والآثار بمديرية أمن الجيزة ، ومأمور قسم شرطة الهرم، ورئيس المباحث بالقسم. أشار «شعبان» إلى أن أحد الشواهد الدالة على غياب الرقابة عن منطقة الأهرامات، أن الفيلم المهين لتاريخ وعظمة مصر تم تصويره بتقنية عالية جدا وفى وضح النهار، وكان ذلك بتسهيل من المبلغ ضدهم، إذ أن الجريمة وقعت فى الظهيرة داخل منطقة الأهرامات الخاضعة تحت حماية وتأمين المبلغ ضدهم، الأمر الذي يؤكد أنهم شاركوا في الجريمة، بالتواطؤ والتسهيل لمرتكبي الجريمة المنفذين. وسهلوا لهم ارتكاب جريمة «ممارسة الجنس الكامل» بمنطقة الأهرامات بالجيزة، بأن أخلوا المنطقة من الناس، وتركوا كاميرات التصوير وطاقم الإنتاج والإخراج الخاص بالفيلم الجنسى وحدهم داخل المنطقة، حيث تظهر الأهرامات الثلاثة خلف الجناة أثناء تصويرهم لعملية الإيلاج والجماع العادى والشاذ على مدار 14 دقيقة. وأضاف مقدم البلاغ أن الفيلم الذى يبث على جميع المواقع الإباحية على شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت»، والذى أرفق نسخة منه مع البلاغ، تم تصويره بتقنية عالية وشاركت فى التصوير العديد من الكاميرات، وذلك لوجود أكثر من زاوية للتصوير. وأكد أن المادة العاشرة من قانون سنة 1961 نصت في فقرتها الأولى على عقاب كل من حرض شخصا (ذكرا كان أو أنثى) على ارتكاب الفجور أو الدعارة أو ساعده على ذلك أو سهله له، وكذلك كل من استخدمه أو استدرجه أو أغواه بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة. كما نص القانون نفسه، فى الفقرة الثانية من المادة السادسة، على عقاب كل من استغل بأية وسيلة بغاء شخص أو فجوره. وأقر فى المادة السابعة عقاب الشروع فى الجرائم المبينة فى المواد السابقة بالعقوبة المقررة للجريمة حال قيامها. حيث لم يشترط للعقاب على التحريض أو المساعدة أو التسهيل أو الاستغلال اقتراف الفحشاء بالفعل. وطالب «شعبان» بسرعة اتخاذ الإجراءات القانونية، وقيام الأمن الوطنى والجمارك بجمع المعلومات عن هوية العاملين بالفيلم وجنسياتهم، والكشف عن تواريخ دخولهم إلى البلاد، فمن شأن ذلك أن يكشف بالتالي كل المسئولين المتورطين في هذه الجريمة، وفى عهد أي رئيس، هل كانت بعد ثورة يناير أم 30 يونيو، لأن تاريخ رفع الفيلم على الإنترنت لا يوضح بشكل كاف توقيت تصويره. وأوضح المحامي مقدم البلاغ أن أول الإجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها على الفور، وقف المبلغ ضدهم بصورة مستعجلة عن مباشرة أى عمل من أعمال وظيفتهم، ومنعهم من السفر حتى انتهاء التحقيق في البلاغ، مطالبا بتحريات كل من مباحث الأمن الوطني، ومباحث مكافحة الآداب عن الأجانب الذين ظهروا في مشاهد الفيلم، وكذلك التحرى عن منتج ومخرج الفيلم وطاقم الإعداد والتصوير وإحالتهم جميعا إلى المحاكمة الجنائية. واختتم «شعبان» بأنه سوف يقيم دعوى أخرى أمام محكمة القضاء الإدارى يطالب فيها بعدم منح وزارة الآثار صلاحية منح تصريحات تصوير أفلام أو إعلانات في المواقع الأثرية، إلا في حضور أحد أفراد شرطة مكافحة الآداب. من جانبه، قال الدكتور محمد عبد المقصود – نائب رئيس المجلس الأعلى للآثار، إنه لا يمكن لوزارة الآثار أن تتورط في منح تصريح لتصوير الأفلام الإباحية تحت سفح الأهرامات، وعندما تطلب أية جهة الحصول على إذن بالتصوير في منطقة أثرية، يرافق فريق العمل مشرف من الوزارة لمتابعة ما أي تصريح بهذا الشأن يستلزم توقيع طالب التصريح على تعهدات بعدم خدش الآثار أو التعدى عليها أو تصوير مشاهد مخلة بالآداب أو تتسم بالخلاعة. وأكد «عبد المقصود» أنه لو تم إثبات صحة تصوير هذا الفيلم في الموقع الحقيقي، فهذا يستلزم إجراء تحقيق فورى للكشف عن المسئولين المتورطين في التعتيم على الجريمة، معربا عن أن المسئولية لا تقع فقط على وزارة الآثار، بل تشاركها الهيئة العامة للاستعلامات. أما هشام بسطاوى - مدير العلاقات العامة بالهيئة العامة للاستعلامات، فنفى علاقة الهيئة بمنح تصاريح تصوير أفلام بالمناطق الأثرية، مؤكدًا أن مسئولية الهيئة تتعلق فقط بتصريحات المسئولين الأجانب لاتمام مهامهم الصحفية بالبلاد. بينما قالت سالى سليمان – مرشدة سياحية وعضو الحلقة المجتمعية للرقابة على الآثار، من المؤكد أن الوزارة لا يمكن أن تمنح تصريحا بتصوير فيلم إباحى، لكن من المحتمل أن يحدث ذلك في غياب الرقابة أو المتابعة، مطالبة بسرعة التحقيق في البلاغ لأنه لو ثبتت صحته فسوف يمثل كارثة كبيرة، بدلا من انشغال الدولة بكل أجهزتها بالتحقيق في قضية «أبلة فاهيتا»! في النهاية يبقى تساؤل: هل يسمح المسئولون المصريون بتدنيس وهدم الحضارة المصرية التي تمتد على الأقل منذ عام 3000 قبل الميلاد (ما قبل الأسرات) حتى عصر الأسرة ال 30 (380 –343 ق. م.) في 14 دقيقة فقط من العهر والفجور؟ تساؤل يبقي على استمرار القضية، ويحفظ ملف التحقيق مفتوحًا، لتواصل «البديل» لاحقا قراءة ومتابعة مستجداته.