كانت مهنة الصحافة تعد سلطة رابعة، كما تلقب ب«صاحبة الجلالة» لعظم دورها فى المجتمع، لكن أصبحت الاعتداءات على الصحفيين أمرا عاديا فى بلدنا، فالكل ينظر إلى الصحفي على أنه عدو وليس ناقلا للحقيقة، ووصل الأمر بجماعة الإخوان المسلمين إلى قتل الزميل الحسيني أبو ضيف "شهيد الصحافة" فى أحداث الاتحادية، كما أن قوات الأمن يجب أن تكون لديها ثقافة التعامل مع الصحفيين، واعتبارهم مرآة للواقع، ويجب ترسيخ مبدأ عدم اعتقال الصحفيين ومحاكمتهم، فيما تظل نقابة الصحفيين تشجب وتدين الاعتداءات، ولا تسعي بشكل حقيقي لتوفير الحماية للصحفيين أثناء تغطيتهم للمظاهرات. رصدت "البديل" بعض الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون من اعتداءات وحبس: يقول صالح رضا، مصور صحفى ل"البديل": "يوم سبوع أولادي التوأم، سمعنا ضرب نار عند القسم فنزلت بالكاميرا أشوف فيه ايه، كان فيه ناس كتير عند القسم، وضرب نار في الهوا من الجانبين، فحاولت التصوير ولكن تم منعي، فدخلت أعمل بلاغ ففوجئت بالمقدم "عبد الحميد فايد" يقول لي مفيش ضباط بيتعمل فيهم بلاغ، فمشيت وبعدها قابلني ضابط من القسم وقال لى "انت مطلوب ضبطك وإحضارك واسمك من ضمن المتهمين"، مضيفا "كلمت مدير الأمن، قالي أنا هتصرف واتصل بيهم وقال لهم يرفعوا اسمي من التحريات، وتم بالفعل". وتعرض الزميل ممدوح المصرى الصحفي بجريدة "الشارع" للاعتداء بالضرب، أثناء انعقاد أعمال الجمعية العمومية للمحامين، عندما حاول الزميل تصوير عملية تسويد البطاقات بلجنة بني سويف، والتي استبعدت من حسابات التصويت. كما تتعامل نقابة "الصحفيين" بتخاذل تجاه أعضائها الذين يُعتدى عليهم أثناء ممارسة عملهم، فعدم اتخاذ النقابة موقف جاد من هذه الاعتداءات، أدى إلى تعرض الكثير من الصحفيين لانتهاكات مماثلة أثناء ممارستهم عملهم في تغطية المسيرات. وذهبت "البديل" إلى أحد المحامين بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والذي لديه الكثير من القضايا من اعتداء واعتقال للصحفيين. قال علي عطية المحامي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إن الشبكة لديها عشرات الحالات من المصورين والصحفيين تم القبض عليهم أثناء تغطيتهم لأحداث تظاهرات واحتجاجات مختلفة في هذا العام منهم "محمد عبد المنعم مصور البديل، وأحمد هنداوي مصور شبكة يقين، ومحمد حيان مصور 30 يونيو، وارون روز مصور ديلي نيوز". وأضاف "عطية" أن اسباب التعدي على الصحفيين كثيرة، فقوات الأمن لا تعترف بالدور الذي تقوم به الصحافة فى إظهار الحقائق، مؤكدا أن قوات الشرطة تتجاوز مع المتظاهرين أو المحتجين وتخالف اللوائح والقوانين، وتستخدم ضدهم العنف، كى لا يظهر ما تفعله الداخلية من اعتداءات وتجاوزات. ويتابع "يجب علي النقابة إلزام الصحف بقيد هؤلاء الصحفيين بجدول "تحت التمرين" لاعتراف النقابة بهم، وكذلك أجهزة الدولة لتسهيل عملهم، وضمان عدم التعرض لأي صحفي لأن النيابة أو الشرطة في معظم الحالات لا يعترفون بكارنيه الجريدة ويتسألون هل المتهم أو المعتقل مقيد بنقابة الصحفيين من عدمه، ومن الممكن أن يتم حبس الصحفي بتهمه انتحال صفة أو بتهم التصوير بدون تصريح". وأشار "عطية" إلى أنه يجب علي الدولة وضع ضمانات حقيقية لحماية الصحفيين غير المقيدين بالنقابة وإلزام الصحف بعمل عقود رسمية لهم، ومعاقبة رجال الشرطة في حالة التعدي علي الصحفي أثناء تأدية عمله أو منعه من أداء عمله، طالما أنه أثبت صفته الصحفية. واختتم المحامي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان حديثه قائلا: "اللى بيحصل مع الصحفيين ده مهزلة، ويوضح أن الدولة لا ترغب في وضع ضمانات للصحفيين، خاصة أنهم أخطر سلاح في مواجهة الدولة التي لا تريد إظهار الحقائق وطمسها، لأن دور الصحافة الأساسي هو أظهار الحقائق للرأي العام"، مؤكداً أنه يجب توعية رجال الشرطة بالدور المهم الذي تؤديه الصحافة، ومعرفة أن الصحفي له دور مماثل لدور الشرطي في كشف الحقائق، كما أنه في ظل عدم الاعتراف بالصحفيين غير المقيدين بنقابة الصحفيين لا يتم محاسبة من تعرض لهم بالاعتداء، خاصة إذا كان شرطي رغم أنه يقدم بلاغات ضدهم وتصدر تقارير طبية ويتم اتهامهم بشكل رسمي من قبل الصحفي، إلا أنهم يفلتوا من العقاب علي جريمة ارتكبوها بالفعل وثابتة بالاوراق. كما رصدت "البديل" آراء الكتاب الصحفيين في كيفية التغلب على الاعتداءات التي تمارس ضد الصحفيين: من جانبه، قال الكاتب الصحفي محسن هاشم، إن الاعتداءات على الصحفيين من الأمن والإخوان أصبحت شيئا كارثيا، حيث إن منع الصحفي من أداء عمله، واعتباره عدوا أمر غريب، مشيراً إلى أن الصحفيين لن يفرطوا فى حقوقهم التي حصلوا عليها بعد ثورة 25 يناير لذلك رفض الصحفيين قانون التظاهر. وأوضح "هاشم" أن مجلس نقابة الصحفيين "متخاذل" ولابد أن يكون شغله الشاغل منع العدوان على الصحفيين بتقديم بلاغات إلى النائب العام ضد أعداء الصحافة، وألا تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الجريمة، فلابد أن يكون للمجلس دور من أجل حصول الجماعة الصحفية علي حقوقهم في ممارسة عملهم، والوقوف ضد العدوان الغاشم الذي يمارس من الإخوان والأمن ضد الصحفيين. ولفت بشير العدل، مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة، إلى أن الاعتداء على الصحفيين ومصادرة أدوات عملهم أثناء متابعتهم الفعاليات الميدانية، مسئولية نقابة الصحفيين التى انصرف مجلسها عن اتخاذ مواقف حاسمة تجاه الاعتداء على الصحفيين، مكتفية بالتصريحات الإعلامية لبعض أعضائها وتهدئة المعتدى عليهم دون اتخاذ أى إجراء حاسم ضد أفراد أو جماعات أو حتى سلطات الدولة، مضيفا «يجب علي مجلس النقابة التفرغ للنظر فى أمور الصحفيين، والابتعاد عن الحسابات السياسية، فالدفاع عن أعضائها مسئولية أساسية لمجلس النقابة». وأوضح هشام يونس، عضو مجلس نقابة الصحفيين، أن مهنة الصحافة البحث عن المتاعب، فلا تستطيع النقابة حماية الصحفي من الاعتداء عليه قبل حدوثه، ولكن النقابة لا تغفل عن حق أبنائها، وتؤدى دورها في الدفاع عن الصحفيين، مشيرا إلى أن المناخ العام في البلاد يجعل الصحفي فى خطر؛ بسبب عدم وجود ثقافة التعامل مع الصحفي، لدي قوات الأمن، ولدي المتظاهرين أيضاً، فلابد أن يعلم الجميع أن الصحفي ليس عدوا لأحد على حساب أحد.