فى مجتمعاتنا الشرقية يسقط الرجل عندما تسقط هيبته، وما أسهل السقوط فى مصر الآن !! لقد نجح المصريون فى اسقاط النظام وتوالى بعد سقوطه سقوط كل ماله هيبة مثل أوراق الشجر الذابل، ذهب بريق الحكام والوزراء والكتاب والعلماء وذهبت معهم قناعات المصريين وايمانهم بالرمز فراحوا يتندرون ويسخرون من الجميع الى أن ضاعت هيبة الجميع فى مصر. منذ وقت قريب كانت النكتة والدعابة هى سبيل المصريين الأمثل للهروب من همومهم وأحزانهم، وكانت أيضا وسيلة من وسائل النقد الذكى للحكام فى مراحل القمع التاريخية، كان المصريون يتبادلون النكات سرا وكأنها ممنوعات لدرجة جعلتهم يخشون أن يضبطوا متلبسين بتهمة إلقاء النكات. وكان الرئيس السابق مبارك ونجله أبطال دائمين لتلك النكات، ولكن ما طبيعة النكات التى كانت تلقى فى هذه الفترة ؟!! كلها نكات لا تنتقص من هيبة ولا من مقام، وانما تنتقد أوضاع مختلة أو ظلم أو فساد قائم، أو تصورهم لصوص أو فاسدين مضحكين، كان هناك حاجز من الهيبة والوقار خلق حولهم سياج حديدى دعمته وسائل الاعلام التى كانت تطن فى رؤوسنا بالتمجيد والتفخيم والفرعنة والتأليه للحاكم العظيم وحاشيته. وسقط مبارك وعائلته وحاشيته وأعوانه، وسقطت هيبتهم أرضا فأصبحوا محلا للتندر والسخرية التى انتهكت فى حياتهم الشخصية كل ما كان محظورا وممنوعا من قبل، فظهرت الفيديوهات ورسوم الكاريكاتير والمنشورات على صفحات تويتر وفيس بوك، وأصبح الجميع يتسابقون على مشاركة هذه المنشورات بل اجتهدوا فى أن يضيفوا اليها نكهات أخرى من السخرية والتندر. مع هذا السقوط العظيم تساقط الكثيرون مثل أوراق الشجر الذابل فبدا أنصار مبارك المكلومين والحزانى المهددين يتراقصون على مسرح الأحداث مثل الأراجوزات، يبالغون فى تمجيد الثورة ونفاق الشباب فيبدون أكثر اثارة للسخرية، وتجد فيهم برامج الفكاهة مادة ثرية وثمينة للسخرية، فتستخدمهم أداة سهلة لاضحاك الناس عليهم وعلى نفاقهم وتناقضاتهم الشخصية، واظهارهم فى صورة مشوهة، وعلى رأس هذه البرامج برنامج " البرنامج " الذى يقدمه الاعلامى باسم يوسف والذى ساهم بشكل أكثر فعالية فى اسقاط هيبة الكثيرين أرضا وعلى رأسهم الرئيس السابق محمد مرسى، بالاضافة الى العديد من الشخصيات العامة وشيوخ الفضائيات، الذين ذهبت ورائهم الكاميرات لتتابعهم وتتبع هفواتهم وتناقضاتهم لتنقلها للعامة نقلا ساخرا مستهزئا. الحقيقة أنه عندما ذهب مبارك ذهبت معه أكذوبة الهيبة المزعومة، وتحطم السياج الحديدى الذى كان يحيط بالمسئولين فى مصر، فأصبحوا أناساً عاديين بل مستهدفين لوابل من السخرية التى لم تعد أداة للنقد والرفض المقنع، وإنما أصبحت أداة هدم فعالة تستخدمها الأطراف السياسية المختلفة فى حروبها وسعيها نحو السلطة. لقد كانت الفكاهة والسخرية واحدة من أهم الاسباب التى أسقطت عن الدكتور محمد مرسى هيبته فى عيون العامة، فأصبحت كلمات حاكم مصر التى كانت فى وقت من الأوقات بمثابة أقوال مأثورة يتناقلها الكتاب مثلما يتناقلون الجواهر الثمينة عبارة عن مواد للسخرية والنكات التى زادت يوما بعد يوم، ولم تفلح محاولات الاخوان المسلمين وأنصار الدكتور محمد مرسى فى اصباغ الصفات الخارقة واحاطته بهالة واهية من القدسية، وابتكار معجزات خيالية لتعويض ما يسقط من هيبته التى راحت شيئا فشيئا إلى أن لم يتبقى منها شيئا، فسقطت هيبة الدكتور مرسى وسقط هو معها. الآن السخرية تطال الجميع بلا استثناء وأصبحت السلاح الموثوق فى فعاليته فى الحروب والصراعات السياسية الداخلية فى مصر، والتى يتعرض لها الآن الفريق سامى عنان فى موجة سخرية مكثفة وموجهة توجيها مباشرا لشخصه وهيبته وتضعه فى موقف حرج فى توقيت شديد الحساسية بعد أن طالته يد المتندرين والمنتقمين من الاخوان والتيارات الأخرى الرافضة لصعود الفريق الى مقعد الحكم، وهو نفسه السلاح الذى تحاول أطراف معينة استخدامه فى الحرب ضد الفريق عبد الفتاح السيسى، والتى طالت بدورها بالفعل الرئيس المؤقت الحالى عدلى منصور، والذى لم يفلح صمته معظم الوقت فى انقاذه من السخرية التى استخدمت هذا الصمت كأداة للحرب المتعمدة وغير المتعمدة ضده. لم تعد السخرية فى مصر الآن سلاحا للنقد المستتر أو متنفسا لمن يعانون من القمع بل أصبحت أداة لاسقاط حكام وتدمير المستقبل السياسى لشخصيات بعينها، وتستخدم الآن بصورة منظمة ومتعمدة لتحقيق غايات سياسية بعينها، لقد كانت السخرية سلاحا للتحايل على القمع وأصبحت الآن سلاحا نوويا للتشويه وإسقاط الهيبة. باحثة فى علم النفس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار – مجلس الوزراء