- اليسار المصري يواجه تحديات صعبة أهمها بلورة خطاب جديد وتجاوز الخلافات التاريخية والدمج الكامل بين أحزابه. - لا أتوقع أن يؤثر "إرهاب" الإخوان على خارطة الطريق - المشاورات مستمرة حول تحول التيار الشعبي لحزب، والحديث عن ترشح "صباحي" سابق لأوانه. نستكمل الجزء الثاني من حوار الدكتور رائد سلامة، الخبير الاقتصادي وعضو مجلس أمناء التيار الشعبي، والذي كانت "البديل" نشرت الجزء الأول منه، وإلى نص الحوار. أين اليسار من الخريطة السياسية؟ ولماذا دوره ضعيف؟ وهل يتحول التيار الشعبي إلى حزب سياسي ؟ لعب اليسار المصري المنظم و غير المنظم دوراً كبيراً في التحضير والتجهيز لثورة يناير 2011 وثورة يونيو 2013 للخلاص من ثيوقراطية الإخوان، ولابد لنا من مراجعة سريعة لتاريخ اليسار المصري في الحركة الوطنية التي مرت ب 4 مراحل في العصر الحديث: المرحلة الأولي من 1919 إلي 1952 و هي مرحلة الليبرالية البرجوازية التي تميزت بليبرالية سياسية و اقتصادية، و فيها لعب اليسار دورا اجتماعيا فاعلاً جنباً إلي جنب مع حزب الوفد، بل وشارك سياسيا بفعالية في إسدال ستار النهاية علي تلك المرحلة بسبب الاستعمار و فساد الملك و حرب فلسطين. والمرحلة الثانية من 1952 إلي 1974 وهي مرحلة المشروع "القومي – الوطني" و فيها لعب اليسار "بمفهومه الواسع" دوراً هاما في مشروع دولة "ناصر" بعد صدامات معها في البدايات ثم انسجم ضمن نسيج التنظيم السياسي مسانداً للدولة لأجل تحقيق مكاسب اجتماعية للفقراء، ثم مرحلة الانفتاح التي تبدأ من 1974 إلي 1990 و هي مرحلة الليبرالية الاقتصادية و القمع السياسي، و صاحبتها هجرة كثير من المصريين إلي الخليج و عادوا بعد "غزو الكويت" محملين بثروات كبيرة و أفكار خارجة عن المجتمع المصري وكانت تمثل خطراً، و أنا أعتبرها أخطر المراحل، لكن اليسار لعب في هذا التوقيت دوراً بمعارضة السلام مع إسرائيل، ثم أخيرا المرحلة الرابعة من 1990 إلى 2011، وهي مرحلة "النيو ليبرالية" والربط بين بين الاقتصاد المصري بالاقتصاد العالمي و ازدياد الاعتماد علي المعونات الخارجية و تغيير تركيبة الطبقات الاجتماعية وهو ما جعل اليسار ينكمش. ثم مرحلة ما بعد ثورة يناير 2011 والتي انفتح بعدها المجال السياسي أمام اليسار المصري بعدما كان مغلقاً و محصورا في الحزب الوطني و الإخوان ليجد اليسار المصري نفسه أمام تحديات كبري لابد له من الاشتباك معها.. وما هي الأزمات التي تواجه اليسار فى مرحلة بعد ما ثورة 25 يناير ؟ أرى أن أزمة اليسار المصري بمفهومه الشامل أمرين في غاية الأهمية لابد أن يتم حسمهما من خلال أطروحات كخارطة طريق لليسار المصري لضخ الدم في عروقه مرة أخري، أولا بلورة خطاب سياسي اجتماعي متواكب مع تطورات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية لجذب جمهور اليسار من القوى الاجتماعية التي يمثلها من (النقابات و العمال و صغار الفلاحين و الفقراء و المهمشين والمتضررين من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظامين السابق والأسبق) يوضح فيه موقفه من قضايا الوطن بشكل لا يحتمل لبساً و دون استخدام لمصطلحات تبدو للناس بغامضة أو متعالية حتى يمكن استعادة القوي الاجتماعية التي يمثلها اليسار للعمل السياسي مرة أخري، أما الأمر الآخر فهو ضرورة العمل الحقيقي وسط الجماهير، وعدم الاقتصار علي نخب صالونات القاهرة، وأتصور أن بعض فصائل اليسار كإتحاد الشباب الاشتراكي لها إسهامات إيجابية في هذا المجال علي الرغم من ضعف إمكانياتها المادية، والتحدي الأخير الذي يواجه اليسار هو الوصول إلي صياغة توفيقية لتجاوز الانقسامات التاريخية الحادة بين فصائله لدمج فصائل اليسار بالكامل في إطار تنظيم سياسي واحد ينشأ بصورة ديمقراطية و يتلافى مشاكل الأحزاب التقليدية و لا يقف عند قوالب نظرية جامدة، وأرى في صيغة "منبر" اليسار في سبعينات القرن الماضي مثلاً يحتذى وإن اختلفت ظروف النشأة و مبرراتها، أما عن فكرة تحول التيار الشعبي لحزب؟ فالأمر قيد الدراسة والبحث. هل التيار الشعبي أعد تحالفات انتخابية واستقر على بعض الأسماء للترشح في الانتخابات البرلمانية القادمة ؟ تم اليوم الإعلان عن خوض الانتخابات البرلمانية بقائمة واحدة بين التيار الشعبي و حملة "تمرد" والمجال مازال مفتوحاً لكل القوى السياسية و الأحزاب القريبة منا أيديولوجياً للانضمام إلي هذا التحالف، و اسمح لي أن أستغل لقائي معك بدعوة كل القوي الوطنية و الأحزاب التي تجمعها إيديولوجيا متقاربة، وبالذات فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية و الديمقراطية و الاستقلال الوطني. ما هي توقعاتك لخارطة الطريق في ظل أحداث العنف الدائمة من قبل جماعة الإخوان ؟ الإخوان يحاولون جر المجتمع المصري ككل لدائرة العنف بما يفعلونه بالجامعات هذا بالتأكيد بخلاف العمليات الإرهابية المتكررة، لكني أتوقع ألا تؤثر تلك القلاقل علي مسيرة خارطة الطريق التي وضعتها كل القوي السياسية بمصر باستثناء الإخوان فقط. والحقيقة أني أتعجب جداً من أن يقوم بعض أطراف خارطة المستقبل "بطرح مبادرات للمصالحة مع الإخوان لدمجهم في الحياة السياسية مرة أخري والإخوان يرفضون شئ في منتهى الغرابة. لابد من التعاطي بحسم مع الإخوان الذين يصرون علي طريق العنف لابد من شطب جماعة الإخوان حسب الحكم القضائي الصادر، أما بخصوص ما يسمي بالمصالحة فأنا أرى أن تلك الدعاوى تعتبر خطأً تاريخياً في حق مستقبل هذا الوطن إن تمت علي النحو الذي ورد بمبادرة الدكتور زياد بهاء الدين وتبنتها الحكومة. خارطة المستقبل تسير بثبات رغم ما يفعله الإخوان و لن تتوقف، وعليهم هم أن يحترموا قرار الشعب المصري الذي خرج بأكمله عليهم، ولم يحتمل عام واحد من حكمهم. ما رأيك في آداء لجنة الخمسين؟ وبعض المواد الدستورية التي تم الانتهاء منها ونشرت في بعض الصحف ؟ لا يمكن الحكم على أداء لجنة الخمسين بشكل نهائي إلا مع صدور المسودة الأولى للدستور بشكل رسمي، ولكن ما يتم تسريبه من مسودات و ما يدلي به المتحدث الرسمي باسم اللجنة من تصريحات "لا يسر عدو و لا حبيب" وأتصور أن الدستور إن خرج علي النحو الذي يُتداول حالياً فسيواجه بمعارضة قوية من القوى السياسية، خاصة فيما يتعلق بالشكل الدولة الاقتصادي الذي فوجئنا بأحد التسريبات أنه سيكون قائماً علي "آليات السوق المنضبطة" و هو نص لم يجرؤ النظام في عهد المخلوع مبارك و لا المعزول مرسي علي تضمينه، و كذلك استبعاد كلمة "مدنية الدولة" و تعديل المادة الثانية بتضمينها فهماً وهابياً ظلاميا لمبادئ الشريعة، والمادة 47 التي تشعر إزاءها أنك في عالم عبثي كبير حيث أيدها الأعضاء المنتمين إلي جبهة الإنقاذ و الذين بدوا في هذا الإطار أكثر ثيوقراطية من الإخوان و حلفائهم، و كذلك موضوع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. هل حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي أعلن عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية القادمة ؟ فيما يتعلق بترشيح السيد حمدين لنفسه في انتخابات الرئاسة فأظن أنه من السابق لأوانه الحديث في هذا الأمر الآن خاصة و نحن لا نعلم كيف ستكون صلاحيات الرئيس في الدستور الجديد؟ كما أنه لابد من التنسيق مع باقي القوي السياسية لضمان التقدم بمرشح رئاسي واحد يمثل الثورة لأجل العمل علي تحقيق أهدافها، و يأتي على رأسها العدالة الاجتماعية، أو كما أسميتها في أحد المقالات "الفريضة الغائبة". ما رأيك في الحملات الشعبية التي تطالب الفريق أول عبد الفتاح السيسي بالترشح للرئاسة؟ وهل تراه يصلح كرئيس ؟ الفريق السيسي الذي تحول في الذهنية الشعبية المصرية إلي بطل قومي بعدما استجاب كقائد للجيش لمطالب الشعب المصري واصطف إلى جانبها في 30 يونيو، أعرب في أكثر من مناسبة عن عدم رغبته في الترشح للرئاسة، و قد صرح ذات مرة بأن خدمة الشعب المصري أهم لديه من أي منصب، وأنا معه في هذا الأمر، فمكانته في قلوب المصريين تتجاوز أي منصب، وأرى أن وجوده علي رأس القوات المسلحة المصرية هو في ذاته صمام أمان يُطمئن الشعب المصري أن لديه جيشاً قوياً يحميه و يحافظ علي سلامة أراضيه أمام أعداء الداخل و الخارج.. في رأيك لماذا لم يشعر المواطن بأن الحكومة الحالية تضبط الوضع الأمني في البلاد ؟ الأداء الحكومي بصفة عامة هو أداء باهت و مترهل و بطيء و بيروقراطي لأبعد درجة، ولا يحمل قدرة عالية على الإبداع و الابتكار والإتيان بحلول غير تقليدية لمشكلات الشعب المصري، المطلوب حالياً حتى يشعر المواطن العادي بالأمان هو أن يتم تطبيق القانون بكل صرامة، و هذا لا يعني الإخلال بحقوق الإنسان وتطبيق القانون على البلطجي و السارق و الإرهابي هو مفتاح الحل لكل مشكلاتنا، وهذا يشمل كما أسلفت، حل جماعة الإخوان تنفيذا لحكم القضاء، ووقف الحديث عن المبادرات وعروضها السخية خارج النظام القانوني و ما يسمي"بالمصالحة" التي أعتبرها خطاً تاريخياً كبيراً لن تغفره لنا الأجيال القادمة.