لا يضن الشعب المصري على الثقافة العربية، بدماء جديدة، وطاقات متفجرة، على مر التاريخ، تلك الدماء التي حافظت على بقاء العرب، مشاركين في الانتاج الحضاري الإنساني، وطالما زخر الأدب المصري، بأسماء لامعة، أعطت الكثير والكثير، منها الكاتب الكبير صبري موسى. وإن كان "موسى" لا يعتبر مجرد علامة من علامات الأدب العربي وحسب، فهو القاص والروائي والرحالة، الذي بدأ إبداعه مبكرًا في الخمسينيات، وانطلق منه إلى مشوار طويل خلف وارءه منجزًا هامًا في باقي أنواع الإبداع، حيث ترك في القصة 5 بصمات هي «القميص، لا أحد يعلم، وجهًا لظهر، مشروع قتل جارة، حكايات صبرى موسى». وعن رائعته "فساد الأمكنة"، قال الراحل الدكتور علي الراعي: «هذه رواية فذّة، كتبها روح شاعري، يتمتع بحسّ اجتماعي وسياسي مرهف، وروح تنفذ إلى ما وراء الأشياء، وتستحضر روح الطبيعة والإنسان معًا، وتكتب هذا كله بلغة مشرقة؛ أنيقة ورصينة وجميلة. وهي بهذا علامة بارزة في الأدب العربي». وعنها قال أيضًا الدكتور غالي شكري، الناقد والباحث: «راح صبري موسى يبحث في صبر وأناة وجمال عن رؤى تخترق أحشاء الواقع، فتصل إلى نبوءة جمالية عميقة لأخطر الهزائم وأبقاها في كياننا الروحي. لقد أحدثت فساد الأمكنة دويًا في الحياة الأدبية؛ إذ تكثفت فيها خبراته المتنوعة وتآزرت لتقدم نصًا روائيًا بالغ العمق». بالإضافة إلى روايته «حادث نصف المتر»، وعن روايته «السيد من حقل السبانج»، والتي اعتبرت وقتها نوعًا جديدًا على الأدب العالمي والعربي، كما أنها تضع مزيدًا من الأسس اللازمة لهذا النوع الأدبي في اللغة العربية. وهي مأساة محكمة لعالم فقد السيطرة على نفسه فسمح للآلة أن تستعبده، وللكمبيوتر أن يهديه سواء السبيل، ولكننا في هذه المأساة نجد أن الصراع الحقيقي يبدأ وينتهي قبل زمن الرواية، بل قبل زمن الحرب الإلكترونية الأولى، ولهذا فهي تختلف عن رواية (1984) التي كتبها جورج أورويل، ونشرت عام 1949 في أنها تُحكم الإسار على الإنسان الذي خاض الحرب ضد نفسه. أما الشاعر والناقد شعبان يوسف، فقد احتفل في مارس الماضي بميلاد "موسى" على طريقته الخاصة، بعد أن أعلن عن إصدار الهيئة العامة لقصور الثفافة، كتاب جديد من تأليفه، بعنوان "صبرى موسى.. سيرة عطرة .. وإبداع شامخ". وقال عنه "يوسف": يتضمن الكتاب منتخبات من قصص مجهولة للكاتب الكبير صبرى موسى، لم تندرج في مجموعات قصصية من قبل، وكان قد نشرها في دوريات الرسالة الجديدة والتحرير، وقصتين في الخمسينيات، وهناك قصيدة طويلة بعنوان "انتظار"، بالإضافة لبعض المقالات الصحفية والبورتريهات عن "يحيى حقى"، والنحات "عبد البديع". ويضم الكتاب مقدمة بدر نشأت التي كتبها لأول مجموعة قصصية صدرت لموسى عام 1958، وشارك في وضع رسومها تسعة فنانين، منهم صلاح جاهين وبهجت عثمان، وصمم الغلاف الفنان حجازي. بالإضافة إلى دراسة نقدية للكاتب العربى "غالب هلسا"، وحوارًا هامًا أجراه الشاعر والدكتور مجاهد عبد المنعم مجاهد، ونشر في مجلة المعرفة السورية عام 1975. ولد "صبري محمد حسنى موسى" بمحافظة دمياط عام 1932، وعمل مدرسًا للرسم لمدة عام واحد، ثم صحافيًا في جريدة الجمهورية، وكاتبًا متفرغًا في مؤسسة «روزاليوسف»، وعضوًا في مجلس إدارتها، ثم عضوًا «في اتحاد الكتاب العرب»، ومقررًا للجنة القصة «في المجلس الأعلى للثقافة»، وترجمت أعماله لعدة لغات. درس الفنون الجميلة، وله العديد من الإنتاج الأدبى والفنى منه، بالإضافة إلى إسهاماته في أدب الرحلات: "في البحيرات، في الصحراء، رحلتان في باريس واليونان"، كذلك كتب السيناريو والحوار لعدد من الأفلا السينمائية: "البوسطجى، قنديل أم هاشم، الشيماء، قاهر الظلام، رغبات ممنوعة، رحلة داخل امرأة، حادث النصف متر، أين تخبئون الشمس". وحاز على جائزة الدولة للسيناريو والحوار في مصر عام 1968، وجائزة الدولة التشجيعية في الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1974، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى عن أعماله القصصية والروائية عام 1975، ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى تكريمًا من رئيس الجمهورية في عيد الإعلاميين 1992، وجائزة بيجاسوس الدولية من أمريكا، والميدالية الذهبية للعمال الأدبية المكتوبة بغير اللغة الإنجليزية عام 1978، وجائزة الدولة للتفوق في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1999. ويعانى حاليًا "موسى" من تدهور مفاجئ في صحته ودخوله في غيبوبة، إثر تعرضه لحادث سقوط داخل منزله منذ أيام قليلة، حيث يعالج من جلطة حدثت له منذ 13 عامًا، وبعد نقله إلى مستشفى القصر العيني الفرنساوي، رفضت استقباله لعدم قدرته على سداد قيمة العلاج، بغض البصر عن قامته وحالته المرضية، ودون أي تدخل من وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب، حتى قررت المؤسسة العسكرية، علاجه على نفقة الدولة، احترامًا لتاريخه الأدبي. أخبار مصر- البديل