لم يكن الخروج الشعبى المهيب الذى ظهرت ملامحه فى 25 يناير 2011 ثم صار واقعاً فى 28 يناير 2011 ضد نظام مبارك، ثم عاد مبهراً وطوفاناً هادراً فى 30 يونيو 2013 والذى تأكد يوم 3 يوليو 2013 مع إعلان عزل مرسى مجرد رغبة فى إقصاء رئيس، وإنما كان تأكيداً للثورة على نظام شيد أركانه منذ عقود بدأها بالميل نحو الأمريكان وبذل المساعى لاسترضائهم، ثم الانفتاح ودعم الفساد وسيطرة رأس المال على مقاليد الدولة، والرضوخ للتعليمات والأوامر الأمريكية ، والاستسلام الكامل فى كامب ديفيد، وغياب المشروع الوطنى الذى تلتف حوله الجماهير وتصطف وراءه، واستباحة نهب مقدرات الدولة ، وبيع مؤسساتها وشركاتها ومصانعها الوطنية فى عمليات فساد سدت رائحتها العفنة الأنوف وملأ غبارها الأجواء عرفت بالخصخصة، وأصبحت كل الخدمات التى تتكفل بها الدولة لاقيمة لها ولاطعم ولالون حيث لاتعليم ولاصحة ولافرص عمل ولاسكن فإزداد المواطن فقراً وقهراً وأصبحت قيود التبعية أكثر رسوخاً وصلابة وعليه لم يكن هتاف (إرحل) الذى هزت به الجماهير أرجاء مصر – شوارعها وميادينها وحواريها – مختزلاً فقط فى رحيل مبارك أو مرسى، وإنما رحيل هذا النظام وتقويض أركانه سعيا لنظام يحقق للوطن حريته وكبرياءه واستقلاله ويؤمن للمواطن حاضره ومستقبله، فلاحرية لمواطن فى ظل وطن تابع، ولاحرية لوطن لايملك فيه المواطن قوته ولايأمن على حاضره وغده. كل ماسبق يعنى ان أى نظام سواء حاضر أو قادم لايعبر عن حرية الوطن والمواطن دون الفصل بينهما لن يكون معبرا عن طموحات الشعب وتطلعاته، ولن يكون إلا استمرار للنظام الفاسد التابع الذى ثار عليه الشعب. كل ماسبق يؤكد ان استمرار دولة رجال الأعمال ، والتبعية للأمريكان، والخضوع المهين لكامب ديفيد وماتلاها من اتفاقيات مع العدو الصهيونى من تصدير للغاز وكويز، والهرولة خلف صندوق البنك والنقد الدوليين الذى تزيد شروطهما المواطن إفقاراً والوطن قيوداً، وعدم إلتزام الدولة بحق المواطن فى الصحة والتعليم والعمل والسكن والتأمينات الاجتماعية والمعيشة الكريمة ماهو إلا استمراراً للنظام الفاسد بأركانه المكتمله ولو سقط له ألف رأس وذيل. هذا يقود إلى التأكيد ان الأيادى المرتعشة لاتقوى على البناء، وان سياسة الإلهاء والتخدير والميوعة لن تكون مجدية، فلابديل عن نظام وطنى يعى أنه يخوض معارك ضارية من أجل تحرير الوطن والمواطن من الاستغلال والفساد وسيطرة رأس المال والتبعية والهيمنة الأمريكية. كما أنه يعنى انه لابديل عن نظام يستقوى بالجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية فى التغيير والتطور، ويتبنى مشروع وطنى وبرنامج واضح يحقق للوطن استقلاله هكذا فقط يسقط النظام أما عدا هذا فلايزيد عن كونه عبث وصراع سلطة وخلافات لاعلاقة لها لابالوطن ولابالمواطن. وعليه كان التكرار الذى لاينتهى ان الأيادى المرتعشة المترددة لاتبنى وطن ولاتؤسس حياة حرة كريمة مهما صدقت الأمنيات وخلصت النوايا ، فالواقع لايؤمن إلا بمن يسعى بجد لتغييره ولايخضع إلا لمن يملك القدرة على إحداث هذا التغيير بعزم صلب وضمير وطنى خالص لايرضخ للتهديدات والابتزازات والمقايضات والترضيات. خلاصة القول أنه لن يستطيع أى نظام تغيير الواقع وتحرير الوطن والمواطن إلا بخوض معركة الاستقلال الوطنى، والتى لن تتحقق إلا بالاستقواء بالجماهير فهى وحدها القادرة على مواجهة التحديات أيا كان حجمها وتداعياتها. ولا أجد ختاماً أكثر تعبيرا وإحكاماً من مقولة الزعيم جمال عبد الناصر (ان الجماهير هى القوة الحقيقية، والسلطة بغير الجماهير هى مجرد تسلط معادٍ لجوهر الحقيقة).