أصدرت مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، كتاب «جنة الشوك»، لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، بعد أن أعلنت مؤخرًا عن توصلها لاتفاق مع أسرته، على نشر جميع أعماله باللغة العربية إلكترونيًّا، وإتاحة هذه الأعمال مجانًا لجميع القراء في أنحاء العالم. ومن المقرر أن تنشر المؤسسة هذه الأعمال تباعًا، للاحتفال بالذكرى الأربعين لرحيل الدكتور طه حسين، والتي توافق 28 أكتوبر، على أن تنتهي من نشر كافة الأعمال خلال الأشهر القليلة المقبلة. سعى «طه حسين» في كتابه «جنة الشوك» إلى بعث أحد الفنون الأدبية القديمة المُسمَّاة ب«الإبيجراما» (النقش باليونانية)، ورأى أن هذا اللون الأدبي يناسب حياتنا الحديثة ذات الإيقاع السريع اللاهث، بمسئولياتها الكثيرة التي تجعل الإنسان يميل لتفضيل الإيجاز على الإطناب والتطويل الغارقين في الصَّنْعة أو العاطفة. وهكذا تعود نصوص «الإبيجراما» من جديد بعد أن سكنت أرفف المكتبات القديمة، ونقشها الغابرون على جدران المعابد والقبور اليونانية، فنُطَالِعها نثرًا أو شعرًا، شريطة أن تلتزم بالشكل الذي تعارَفَ عليه أساتذة هذا الفن من اليونانيين واللاتينيين؛ وهو أن يحقِّقَ النص شروط التكثيف الموجز للفكرة في ألفاظ أنيقة غير مبتذلة، تصنع كيانًا أدبيًّا مكتملًا تسيطر عليه روح المفارقة الواضحة، فيثير ذلك عقل القارئ وعاطفته معًا. وكتب عميد الأدب العربي في مقدمة طبعة قديمة لكتابه: «لا يريد بهذا الكتاب إلى شئ إلا النقد الذي يسمونه بريئًا في هذه الأيام، والنقد الذي يوجه إلى ألوان من الحياة لا إلى أفراد بأعينهم من الناس. ومن المحقق أني لم اخترع هذا الكلام من شيء، ولم أشتق هذه الصور من الهواء ولم ألتمسها في الصين ولا في اليابان، وإنما أنا أعيش في مصر وأشارك المصريين في الحياة التي يحيونها، وآخذ بحظي مما في هذه الحياة مما يرضي وما يسخط، وأنا بعد ذلك أعرف أقطارًا من الأرض سافرت إليها وأقمت فيها، أو قرأت عنها في الكتب والأسفار، وأنا بعد هذا وذاك أعرف أجيالًا من الناس عشت بينهم أو قرأت أخبارهم، وعرفت آثارهم فيما استطعت أن أظهر عليه من آثار الناس في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب…». قصد المؤلف بنصوص الكتاب التي زادت عن ال150 مقطوعةً، واستخلص أفكارها من المجتمعات التي زارها وعاش بها، نقد أبناء مجتمعه، وذم بعضهم، والسخط من البعض الآخر، ودونها على شكل فقرات حوارية جرت بين طالب وشيخه، أو بين أديب وصاحبه، أو بين الملك شهريار وزوجته شهرزاد. وقالت الدكتورة نجوى عبد المطلب، رئيس مجلس الأمناء بمؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، في تصريحات صحفية لها عقب التوصل للاتفاق: «إن أعمال الدكتور طه حسين تمثل إضافة عظيمة وبالغة الأهمية إلى مكتبة المؤسسة التي تضم مئات الكتب المتاحة مجانًا لقراء العربية، ونحن فخورون بأن نساهم في نشر أعماله وجمعها وإتاحتها إلكترونيًّا بما ييسر على قراء العربية جميعًا الحصول على كتب هذه القامة الكبيرة، والإفادة منها كما فعل السابقون». وأضافت: «وإني لآمل أن يساهم ذلك الاتفاق في الجمع بين طه حسين وقرّائه ممن حالت بينهم وبين تلك الأعمال الصعوبات الكثيرة التي تكتنف اقتناء النسخ الورقية؛ وهي صعوبات أرى أنها كادت أن تندثر مع النشر الإكتروني». وفي وقت سابق، قالت مها عون، حفيدة الدكتور طه حسين: «إن نشر أعماله إلكترونيًّا سيسمح للجميع بالتعرف على الموضوعات المتنوعة التي أبدع فيها، كتاريخ الإسلام وتاريخ الأدب العربي ونقده، والأعمال الاجتماعية عن التعليم والعدالة الاجتماعية والروايات، بالإضافة إلى الأعمال التي ترجمها من كلاسيكيات يونانية وروايات فرنسية». ومن المقولات التي تضمنها الكتاب بين دفتيه: «قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: ألم ترَ إلى فلان وُلد حرًّا وشبّ حرًّا، وشاخ حرًّا، فلما دنا من الهرّم آثر الرقّ فيما بقى من الأيام على الحرية التى صحبها في أكثر العمر؟!قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: أضعفته السَّن فلم يستطع أن يتحمل الشيخوخة والحرية معًا، وأنت تعلم أن الحرية تحملُ الأحرارَ أعباءً ثقالًا»، «التاريخ سخيف، كما أن الموت سخيف، لأن الموت يعيش بين الناس ولا يبلغ من نفوسهم موعظة ولا إصلاحًا». كما كتب أيضًا في «جنة الشوك»: «ما أرى ذاكرة الشعوب إلا كهذه اللوحات السود التي توضع للطلاب والتلاميذ في غُرفات الدرس وحجراته يثبت عليها هذا الأستاذ ما يمحوه ذاك، وهي قابلة للمحو والإثبات، لا نستبقي شيئًا ولا تمتنع على شئ»، «قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: ألم ترى فلان يطالب بالجلاء السريع- متى وضعت الحرب أوزارها- إلى أوروبا.. قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: إلى أن يلي الحكم أو يشارك فيه». أخبار مصر- البديل