صور| أسماء أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية في قنا    خاص| الدبيكي: لجنة قطاع العلوم الصحية تبدأ أولى خطواتها لإصلاح تطوير التعليم الصحي في مصر    مطالب ترامب بخفض أسعار الفائدة تقود الذهب إلى الصعود مجدداً    نائب محافظ دمياط تتابع معدلات تنفيذ مشروعات "حياة كريمة"    قافلة "الصمود".. اختبار للمواقف الإقليمية وتحرك شعبي يعيد الزخم للقضية الفلسطينية(تقرير)    مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية: العالم أقرب من أي وقت مضى إلى حافة الإبادة النووية    صيحة تحذير.. فلننتبه!    الزمالك يوقع عقوبة مالية على أحمد حمدي بعد أزمة سفره إلى ألمانيا    «حال عدم جاهزيته».. شوقي يتوقع بديل وسام أبوعلي بتشكيل الأهلي أمام إنتر ميامي    بسبب خلافات زوجية.. أب يذبح أبناءه الثلاثة ويشنق نفسه ب«إيشارب» في سوهاج    العربيات اتعجنت، مصرع شخصين وإصابة 5 آخرين في تصادم سيارتين بجرار زراعي بالبحيرة (صور)    محافظ الدقهلية في زيارة ليليلة مفاجئة لمدينة جمصة    مشاجرة عائلية بسبب خلافات نسب في الفيوم تنتهي بوفاة رجل وإصابة شقيقه    كيف يكون التعليم منتجًا؟    10 قروش تراجعًا بسعر الدولار مقابل الجنيه في البنوك عقب عطلة عيد الأضحى    تراجع مبيعات تيسلا للشهر الخامس على التوالي    مرتجي: زيزو يشبه الأهلي.. وأطالب اتحاد الكرة بالاطلاع على ميزانيات الأندية    الزمالك يتقدم بشكوى جديدة ضد زيزو عقب الانتقال إلى الأهلي    السومة يتحدى مرموش وربيعة.. مهاجم سوريا يدعم قائمة الوداد في كأس العالم للأندية    مرتجي: تمنيت ضم زيزو منذ 3 سنوات.. وهذا ما قاله لي عن جماهير الأهلي    بقيادة محمد شوقي.. مصدر يكشف ليلا كورة الجهاز الفني الجديد ل زد    «الري»: الإجراءات الأحادية لإقامة السدود تُهدد الاستقرار    ننشر أسماء أوائل الشهادتين الإبتدائية والإعدادية الأزهرية بالمنيا    أسعار اللحوم اليوم الخميس في الأسواق بعد انتهاء عيد الأضحى    أحدهما ل يائير يعقوب، نتنياهو يزعم استعادة جثتين لرهينتين في قطاع غزة    ظهرت رسميًا.. نتيجة الصف الثالث الابتدائي 2025 في الجيزة بالمساعد الذكي والخط الساخن (رابط)    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم الخميس.. والصغرى بالقاهرة 36    انهيار جزئى لسور عقار قديم غير مأهول بالسكان فى المنيا دون خسائر    وفاة تاجر الذهب بالبحيرة متأثرًا بإصابته على يد شخصين    آكسيوس: نتنياهو يطلب وساطة أمريكا للتوصل إلى اتفاق مع سوريا    حسن الرداد يكشف حقيقة سفر الفنانين لتشجيع الأهلي في كأس العالم للأندية: "تقل دم وسماجة"    أسرة فتاة الشرقية أمام النيابة: مكناش نعرف أن زواج أقل من 18 سنة غير قانوني والعريس مثالي    "هيكون نار".. تركي آل الشيخ يشوق متابعيه لفيلم الفيل الأزرق 3    بعد تعافيه من عملية القلب، صبري عبد المنعم يوجه رسالة لجمهوره    international fashion awards" يُكرم منة فضالي بلقب "ملهمة الموضة fashion muse"    مصطفى كامل يطلب الدعاء ل نجل تامر حسني بعد خضوعه لجراحتين دقيقتين    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    الطب البيطري: نجاح عملية ولادة قيصرية لقطة بالغربية -صور    استشاري يحذر من قلة النوم وتأثيره على الصحة العامة    بالأسماء.. تعرف على أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية بالمنيا 2025    روسيا.. هجوم بمسيرات أوكرانية يستهدف مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا    1.36 تريليون دولار إجمالي عجز الموازنة الأمريكية منذ بداية العام    المخرج محمد حمدي ل«البوابة نيوز»: نجوم السوشيال ليسوا بدلاء للممثلين.. والموهبة هي الفيصل    هل لديك نظر حاد؟.. اعثر على حبات جوز الهند الثلاثة في 12 ثانية    وزير الخارجية الأردني يؤكد ضرورة تكاتف الجهود لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة    بعثة الأخضر تصل إلى أمريكا للمشاركة في بطولة الكأس الذهبية    تبدأ الأربعاء.. موعد صرف مرتبات شهر يونيو 2025 بعد تبكيرها رسميًا (احسب قبضك)    وزارة السياحة: تنسيق محكم وخدمات متميزة لضيوف الرحمن    محافظ المنوفية: لا تهاون فى مواجهة مخالفات البناء والتعامل بحسم مع أى تعديات    الأوطان ليست حفنة من تراب.. الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة المقبلة    الصحة: ميكنة 11 مركزًا لخدمات نقل الدم القومية وتعزيز البنية التحتية    لمرضى السكري.. 6 مشروبات طبيعية لترطيب الجسم في الصيف دون رفع السكر    وزير الزراعة: تشجيع صغار المزارعين على التوسع في زراعة القمح    حزب «مصر القومي» يكثف استعداداته لخوض انتخابات مجلسي النواب والشيوخ    اعتماد وحدة التدريب بكلية التمريض الإسكندرية من جمعية القلب الأمريكية    محمد ثروت يدعو لابن تامر حسني بالشفاء: "يارب اشفه وفرّح قلبه"    «فتح» تدعو الإتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات حاسمة ضد المخططات الإسرائيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جواد نبيل : التحرير .. مصر
نشر في البديل يوم 04 - 08 - 2011

شاء الله أن يرتبط اسم هذا الميدان بالأصوات و الهتافات التي انطلقت منه في وجه الظلم و القهر و الاستعباد. ميدان التحرير الذي تعودنا منه الصخب و الضجيج و التلوث و الازدحام – المكان الذي يقضي فيه الناس مصالحهم بصعوبة في بيروقراطية المجمع و يروي من خلال متحفه تاريخ القدماء المصريين الذين لم نكن نفتخر إلا بهم و غلقت منافذه في اتجاه قلعة أمريكا المنيعة – هذا المكان الذي كنا إما نهابه لما شهده من إرهاب أو نحمل همه لشدة ازدحامه أو نحبه لمقاهيه العتيقة – أصبح أرضا لأصعب معركة عرفتها مصر منذ الفراعنة.
نفس الميدان الذي أقلني إليه سائق التاكسي حيث كانت جامعتي و هو يسألني “إيه أخبار الدعارة عندكم؟” و هو غالبا يتخيل شباب الجامعة الأمريكية “المليونيرات اللي قالعين هدومهم” و نفس الميدان الذي تمر به أختي بالمترو و يستقل عربتها – عربة السيدات – رجل ملتحي مع زوجته المنتقبة متجاهلين تأكيد أختي على ضرورة احترام أن العربة مخصصة للسيدات فقط — الميدان الذي شهد يوم المرور العالمي و طبقت فيه القواعد المرورية لساعات معدودات – هو ذات الميدان الذي شهد أجمل أيام عاشها الشعب المصري.
ففي أيام الثورة الأولى و قبل أن يسقط النظام – سقط ما هو أقوى من كل الأنظمة في العالم – سقطت أسباب فرعنة الحاكم و قوته و تسلطه – سقط الخوف. الكل يعرف ذلك فلقد “استيقظ المارد من نومه” كما أطلق علينا البعض و ارتفعت الأصوات و قدم المصريون أطهر الأرواح في سبيل الحق والحرية. و لكن ما قد يجهله البعض و لم تتناقله وسائل الإعلام أو ربما لم تعره اهتماما شديدا لانشغالها بعناوين الأخبار العاجلة التي كانت تتجدد كل دقيقة – ما لا يعرفه كثيرون منا جيدا هو ما حدث في كواليس الثورة و ما جرى بين أفراد المليونية.
في أول أيام الثورة لم أكن بالميدان و تعاركت مع أختي خوفا عليها حين خرجت هي و حمدت الله عند عودتها يوم ضرب ثم انسحاب الداخلية و فرحت حين روت لنا كيف ساعدها و سندها رجل ملتحي عند إغمائها من كثرة الغازات المسيلة. فأختي ليست محجبة و الرجل “مظهره” سلفي ... و في هذا اليوم اكتشف كل منهما أن باطنهما إنسان. تهدأ الأمور نسبيا بعد نزول الجيش و يهتف الثوار أحلى الشعارات و أنزل الميدان متأخرا على من سبقونا بالإيمان بقضيتنا – نتوقف أنا و أصدقائي في الزمالك و نمشي في اتجاه التحرير. نرى أهالي الزمالك “الناس الشيك و البشوات بتوع زمان” يحملون أكياسا كبيرة و ثقيلة و يطلبون مني و أصدقائي مساعدتهم في حملها و توزيع ما بداخلها من “ساندوتشات” أعدت منزليا على من في الميدان. لم يتهافت أحد على الطعام حتى من بان عليهم الفقر أخذوا ما قدمناه لهم على استحياء. و هذا رجل آخر بجلباب و لحية يحمل لافتة و يصيح بما كتب عليها “سفااااح... قااااتلللل” و ظل يرددها من صلاة الظهر و حتى صلاة العصر و حين سمعنا من فتاة منتقبة كانت تمشي بجواره أن ابنه استشهد في الميدان و سأله البعض عن اسم ابنه قال “ما حدش له دعوه بابني مين – أنا مات لي 300 ابن و بنت هنا”. و نبكي.
في يوم القداس مع الهتافات التي أذاعتها المحطات و الفضائيات “مسلم – مسيحي – إيد واحدة”... ما لم تلتقطه كاميراتهم و إذاعاتهم هو مجموعة من السيدات و بناتهن يرتدين الخمار – يرددن خلف القسيس “بارك بلادي” و مرأة مسيحية تلبس الصليب في رقبتها تقف بجانبي أنا و أختي تقول “دلوقت عرفت مين اللي فجر كنيسة القديسين... كانوا بيحاولوا يوقعونا في بعض”.
في يوم آخر تقترب مني أنا و صديقي مرأة منتقبة تحمل كيسين في يديها أحدهما به “كعب غزال” و الآخر به بسكوت و تقول لنا بدعابة “ها يا شباب تاكلوا إيه؟ كنتاكي ولا بيتزا هت؟” لم تخش التحدث مع رجلين غريبين و لم نخش نحن عليها و لا على المئات و الآلاف من الفتيات في الميدان و لا هن خشين على أنفسهن من أي نوع من أنواع التحرش.
لم تلتقط العدسات الشاب الذي كنت ربما أخاف أن أمشي معه في نفس الشارع في وقت من الليل فربما بمظهره و منظهره هذا يكون في يده مطواه أو في فمه بشله – لم تلتقطه إلا عدسة عيني و هو يحمل كيس القمامة و ينظف الميدان أولا بأول.
نعم .. سقط الخوف لتسقط معه الحوائط و الجدران التي عزلتنا كبشر عن بعضنا البعض لسنين و قرون – سقطت كل المفاهيم الخاطئة و التخوف أو الحذر من المختلف و أي غريب أو آخر. بالفعل كانت أجمل ثمانية عشرة يوما شهدها الميدان .... نفس الميدان الذي يشهد الآن الصراعات و الاختلافات و المخاوف و إعادة تشييد جدران العزلة الاجتماعية و الدينية من جديد.
“مصر مش التحرير” عبارة لم يتجرأ على قولها إلا من كان مدفوعا أو مأجورا منذ أشهر قليلة. و اليوم أصبحت أوقع ما يقال عن ميدان تتعالى فيه أصوات مختلفة تقطع أصابع “الإيد الواحدة”.
اشتقت للميدان الذي أحببته ... اشتقت لمصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.