أوكسفام: الأثرياء يزدادون ثراء بينما يتفاقم الفقر العالمي    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    ترامب يعلن عن لقاء مع زهران ممداني الجمعة في البيت الأبيض    تنبيه من الأرصاد بشأن طقس اليوم الخميس    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    منى أبو النصر: رواية «شغف» تتميّز بثراء نصّها وانفتاحه على قراءات متعددة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    تراجع في أسعار اللحوم بأنواعها في الأسواق المصرية اليوم    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.منذر سليمان: سوريا.. رضوخ أم مناورة ؟
نشر في البديل يوم 24 - 09 - 2013

انفرجت أسارير "المجتمع الدولي" بعد إعادة الاعتبار الى الحل الديبلوماسي للأزمة السورية، وتراجع التهديد الأميركي بشن عدوان عسكري "شامل ومركز وانتقائي ..الخ،" وأضحت المبادرة الروسية العنوان الأبرز على كل لسان، وفعلها بدد مناخ الاحتقان الدولي. وسرعان ما أعلنت الأطراف والقوى المتضررة عن تحفظاتها ومعارضتها وشكوكها في تنفيذ سورية تعهداتها الدولية كما اعلنت أو كما يراد لها ذلك، ارفقته بابقاء التلويح بالعدوان قائما. وسعى كل من له شأن الادلاء بدلوه في "كيفية وآلية وضمانات التخلص من الاسلحة الكيميائية." وهذا ما سنلقي عليه الضوء من عدة زوايا متداخلة: علمية وتقنية وسياسية.
بداية، لا بد من المرور على ادعاءات ومزاعم توفر الأسلحة الكيميائية لدى سورية كذريعة اميركية وغربية للابتزاز وشن عدوان عسكري عليها، وإقصاء الحل السياسي عن التداول. وإذ بالمبادرة الروسية تنضج في اللحظة الاخيرة لتوقف التلويح العسكري الاميركي واعادة الاعتبار لعقد مؤتمر جنيف -2 . موافقة سورية العاجلة بالانضمام لمنظمة حظر الاسلحة الكيميائية سحب ورقة تفاوضية هامة من على طاولة ذرائع البحث، فسرها البعض بانها تراجع للوراء درءا للعدوان. ربما، تراجع خطوة للخلف وتقدم خطوتين للأمام، يليها انفراج أممي رغم الغيوم الملبدة والتهديدات المتجددة بوضع سورية تحت "الفصل السابع" من ميثاق الامم المتحدة – الذي يتيح استخدام القوة ضد طرف يجري التيقن من كونه يشكل تهديدا للأمن والاستقرار الدوليين.
المبادرة الروسية أطاحت "بالرقص على حافة الهاوية،" فهي نجحت في تفريغ التبرير الاميركي للعدوان بحجة السلاح الكيميائي من محتواه، وحرص الطرف الروسي على ألا يفلح الجانب الاميركي بمكاسب خارج إطار المبادرة التي وافقت عليها سورية وجعل الحل السياسي هو الخيار المتداول فقط، يعززه الوضع الميداني الذي يسير في اتجاه مغاير لرغبات معسكر الحرب. وشكلت المبادرة "خيبة أمل عظيمة لاسرائيل" وداعميها في الكونغرس ودوائر صنع القرار المختلفة لتيقنهم من انها رحلت العدوان "والقصف الانتقائي" التدميري الى اجل غير منظور. المحلل الأبرز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية انثوني كوردسمان سعى حتى اللحظة الاخيرة الى التمهيد والحث على العدوان العسكري، قائلا "اكتشاف أن سورية استخدمت سلاح كيميائي ربما يكون خدعة سياسية" منها لكسب المزيد من الوقت (13 أيلول).
الانفراج الروسي الأميركي، ثمرة مناورات سورية روسية مشتركة بارعة، نص في وثيقة التفاهم على تحديد منتصف عام 2014 موعدا للتخلص من الاسلحة الكيميائية السورية. من سخريات القدر أن الطرفين، الروسي والاميركي، واللذين يملكان ترسانة هائلة لا تضاهيها اي من القوى الأخرى، أخفقا في تطبيق التزامهما الأممي للتخلص من تلك الأسلحة وطلبا تمديدا إضافيا: الولايات المتحدة لعام 2023، وروسيا لعام 2015.
بالنظر الى هذه الحالة، لماذا يطلب من سورية التخلص من ترسانتها بسرعة هائلة، وفرض "برنامج زمني محدد ومحكم" عليها، كما تطالب الوثيقة، ووضع كافة منشآتها الكيميائية تحت الرقابة الدولية تهيئة لتدميرها. وهذا ربما هو بيت القصيد: لن تستطيع سورية الامتثال والالتزام بالجدول المعلن نظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها فضلا عن وقوع بعض المنشآت في مناطق تسيطر عليها المعارضة المسلحة، سيما وأن الولايات المتحدة أعلنت رسميا أن التخلص من الترسانة الكيميائية السورية قد يستغرق بضعة سنين، استنادا الى تجربتها الخاصة الممتدة لثلاث عقود من الزمن دون الوفاء بالتزاماتها.
دورية "فورين افيرز" الرصينة، التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية، علقت على الاتفاق الاميركي الروسي قائلة بانه يشكل ".. نبأً عظيما لاسرائيل .. لما يوفره من إطار للتخلص من أسلحة سورية الكيميائية (وهو) من أضخم برامج الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط .. بل اضحت سياستها في الصمت والكتمان والغموض (حول حقيقة ترسانتها الكيميائية والنووية) تشكل عبءاً سياسيا عليها …" واضافت انه لم يعد "من مبرر لحاجة اسرائيل لأسلحة كيميائية بالمطلق." (عدد 19 ايلول 2013).
مصير الاسلحة النووية "الاسرائيلية" لم يغب عن بال "فورين افيرز،" اذ اوضحت "قالها الرئيس الأسد بوضوح ومر عليها عابرا الرئيس الروسي بالدعوة الى ترابط مسألة تخلص سورية من ترسانة اسلحتها الكيميائية مع اسلحة الدمار الشامل لدى اسرائيل،" كي يشملها اطار الاتفاقية والسير على طريق تخليص منطقة الشرق الأوسط من اسلحة الدمار الشامل.
في تطور متصل، استطاعت الولايات المتحدة وحلفائها من إفشال مشروع أممي لإخضاع الأسلحة النووية "الاسرائيلية" تحت المراقبة الدولية، خلال الاجتماع السنوي للوكالة الدولية للطاقة النووية في فيينا، يوم 20 ايلول. المشروع قدمته إيران بمساندة عُمان "لحمل اسرائيل على الامتثال بمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية ووضع كافة منشآتها تحت رقابة شاملة للوكالة." نتيجة التصويت كانت 43 دولة مع المشروع مقابل 51 ضده وتغيب 32 دولة.
يجمع الخبراء في حقل الأسلحة الكيميائية على اعتبار المدة الزمنية المنصوص عليها لسورية بأنها غير واقعية. استاذ علوم تسمم البيئة في جامعة ليدز البريطانية، الاستير هاي، اوضح لشبكة بي بي سي (19 ايلول) انه "يعلق آمالا لضرورة امهال السوريين بعض المرونة – في حال اخفاق برنامج التخلص في بعده الزمني.. لدي تفاؤل معقول بانه لو اتضح ان سورية لا تماطل في التفاوض بغية كسب مزيد من الوقت، يتعين عندئذ التعاطي بايجابية لتمديد الجدول الزمني المحدد،" مذكرا في هذا الصدد بالعقبات التقنية الملازمة لتدمير حاويات غازات الاعصاب، مثلا، والتي هي ايسر واسهل من رؤوس الاسلحة الكيميائية التي ينبغي تفكيكها وضمان سلامتها قبل التخلص منها. تتعدد اساليب واليات التخلص من الاسلحة لتلائم طبيعة العناصر الكيميائية واوعيتها الحاضنة.
دخلت معاهدة الأسلحة الكيميائية حيز التنفيذ في مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي، وانضمت لها زهاء 189 دولة، وامتنعت 7 دول هي: سورية، انغولا، "جنوب السودان،" بورما (ميانمار)، مصر، كوريا الشمالية، و"اسرائيل."
وافقت الدول الموقعة على تدمير ترساناتها المتعددة خلال عشر سنوات من تاريخه، والاحتفاظ بطلب التمديد لمدة خمس سنوات اخرى. اما الدول التي تخلفت عن الوفاء بالتزاماتها في الموعد الأصلي المدرج، 2007، فهي: الولايات المتحدة، روسيا، كوريا الجنوبية، الهند، والبانيا. وطلبلت ثلاث دول منحها تمديدا اضافيا قبل سنتين: الولايات المتحدة وروسيا وليبيا. روسيا بدورها اعلنت انها ستفي بالتزاماتها للتخلص من تلك الاسلحة في العام 2015؛ اما الولايات المتحدة فطلبت التمديد لغاية العام 2023.
يذكر ان جهود الهند وكوريا الجنوبية نجحت في التخلص من ترساناتهما الكيميائية، المتواضعة نسبيا، بيد ان الامر تطلب زمنا اضافيا ابعد مما كان يعتقد، نظرا لما تطلبه من انشاء معامل خاصة للعملية. تجربة البلدين ينبغي الاقتداء بها نظرا لحجم مخزونهما الكيميائي الذي ربما يقارب حجم الترسانة السورية.
تجربة الولايات المتحدة ربما شكلت نموذجا للعقبات التي واجهتها، وهي لا تزال تحتفظ بمخزون معتبر في ولايتي كولورادو وكنتكي اللتين تشكوان من العقبات التقنية البارزة لانجاز مهمة التخلص. تخزن بلدة بويبلو بكولورادو نحو 2611 طن من غاز الخردل. اما الترسانة في ولاية كنتاكي فقد بلغ حجمها نحو 524 طنا من الاسلحة الكيميائية المعدة للاستخدام والتي تحتوي على عدة انواع من الغازات السامة والفتاكة وغازات الاعصاب. ونظرا لتنوع العبوات المعبأة (قذائف صاروخية، قنابل، قذائف مدفعية، الغام ارضية) فان كل منها يتطلب اجراء محدد لتفكيكها.
فضلا عن أن كل عنصر كيميائي له خواصه المميزة مما يفاقم المعضلة. على سبيل المثال، فان العناصر الكيميائية التي تنتشر في الجسم عبر الدورة الدموية تكمن وظيفتها في تحييد سمّية العناصر التي تؤثر على الاعصاب، اذ صممت على هذا النحو لتعقيد عملية الوقاية من الاسلحة الكيميائية. فعناصر الدورة الدموية تدمر اجهزة الوقاية من الاسلحة، مما يحرر عناصر غازات الاعصاب لفعل فعلها بشدة اكبر. اما المواد المتفجرة المتوفرة في كل عبوة من تلك الاسلحة من شأنها تحويل منشأة ومعامل التدمير الى أثر بعد عين، وتلويث المنطقة بسرعة هائلة. لهذه الاسباب والتعقيدات سيجري التعامل مع مخزون ولاية كنتاكي في اسفل قائمة الاولويات.
اما النجاحات التي تحققت في الدول التي أخفقت في الوفاء بالتزاماتها، روسيا والولايات المتحدة والهند وكوريا الجنوبية وألبانيا، فهي تعود الى عزمها في التخلص التلقائي من تلك الأسلحة. الحالة السورية لما لها من تعقيدات لوجستية وأمنية إضافية قد تفاقم الأزمة مع المراقبين الدوليين المكلفين بالاشراف على عملية التدمير. على الرغم من التزام ليبيا في العام 2004 بتدمير ترسانتها الكيميائية والسماح لمراقبي الامم المتحدة التحقق من الجهود، الا ان بعض مخزونها من غاز الخردل تبين انه لا يزال بحالة جيدة بعد العدوان الاطلسي عليها في العام 2011.
في الجانب التقني البحت، ينبغي تحديد المنشآت التي تخزن بداخلها الأسلحة الكيميائية. وزير الخارجية الاميركية، جون كيري، صرح مطلع الاسبوع ان سورية تمتلك نحو 1،000 طن من المكونات الكيميائية معظمها في حالة خام كعناصر مخزنة قابلة للاستخدام. ان ثبت صحة الأمر، فانه يسهل مهام التفتيش والتدمير. ونظرا للحجم الكبير لصواريخ سكود المحملة برؤوس كيميائية فيصبح من السهل ايضا تحديد امكنتها وملاجيء تحصينها. كذلك القذائف التي تطلق من الجو تخضع لذات الآلية من التحقق سيما وانها عادة ما تكون بقرب قواعد جوية ومدرجات للاغراض العسكرية.
التحدي الاكبر يكمن في قذائف المدفعية والالغام نظرا لصغر حجمها، والتي قد تخزن بعيدا في حاويات متواضعة الحجم نسبيا، مما يسهل استخدامها في اشتباكات وحروب محدودة. وكما رأينا في حالة المخزون في ولاية كنتاكي، فان التحقق من تلك العبوات وتدميرها هو امر عسير.
سيناريو التنفيذ المحتمل في سورية
مرحلة التدمير تعقب جهود سورية لتحديد نوعية واماكن تخزين اسلحتها الكيميائية، وتقتضي انشاء منشآت معدة خصيصا لجهود الاتلاف والتدمير، التي ستتم على مراحل عدة تبدأ عادة بالتخلص من خزانات الاسلحة الكيميائية يليها التخلص من الاسلحة المعدة والجاهزة للاستخدام التي تتطلب التفكيك اولا وعزل مكوناتها الكيميائية الاولية، ومن ثم التخلص من المواد المتفجرة والملوثة.
قبل المباشرة بتنفيذ اي من الخطوات المذكورة، يتعين تواجد خبراء الاسلحة الكيميائية في سورية للتحقق والاشراف على الترسانة الكيميائية لتطابق البيانات المعدة سلفا. استناد الى تجربة تدمير الاسلحة العراقية، اعرب رئيس مفتشي الاسلحة الدوليين السابق، الاميركي ديفيد كاي، ان الامر يستوجب انتشار نحو 2000 عنصر من المفتشين لتغطية الاراضي السورية، وهم بحاجة لقيام سورية بتوفير الأمن الشخصي لهم جميعا، اذ لا يزال الغموض يكتنف قدرة سورية على تنفيذ ذلك سيما وان بعض المكونات الاولية للاسلحة الكيميائية تقع في مناطق قد لا تخضع لسيطرتها التامة.
عملية انشاء معامل خاصة للتخلص من الاسلحة قد يستغرق بضعة سنين لتأهيلها، سيما وان كل منشأة لها خواصها ومميزاتها التقنية لتتماثل مع متطلبات مباديء علمية معينة تخص عناصر ومكونات بعينها. حاويات تخزين المواد الكيميائية يجري حرقها وتحويلها الى رماد بسهولة نسبية. اما الرؤوس الكيميائية المعدة للاستخدام فينبغي التعامل معها بحرصٍ عالٍ وتفكيك موادها المتفجرة في معامل خاصة بذلك. بعد نجاح فرز المكونات المختلفة الى عناصر معزولة ينبغي معاملة كل مكون على حدة، ومن ابسط قواعد السلامة العلمية التعامل مع المكونات الجامدة وغير الفعالة، كالمنصات، والتي ينبغي معالجتها كعناصر ملوثة والتخلص منها وفق تلك القاعدة.
البعض طالب بشحن المكونات الكيميائية خارج سورية للتخلص منها بسلاسة اكبر، بيد ان اي من الدول لم تعرب عن ترحيبها استضافة المواد الملوثة مؤقتا على اراضيها.
اضحت تقنية حرق المكونات الكيميائية متطورة ومفضلة على غيرها من اساليب، اذ تعتمد على درجة حرارة عالية لتحويل العناصر الى رماد، وما يرافقها من بخار الماء وغاز ثاني اكسيد الكربون، ومواد اخرى ناتجة عن عملية الاحتراق. وتستخدم التقنية عينها للتخلص من اغلفة الطلقات الفارغة وما تبقى من مواد كيميائية خطرة عالقة.
فيما يخص غازي الخردل والاعصاب، عادة يتم ابطال مفعولهما وتحييدهما. في الترسانة الاميركية، مثلا، تم تخزين غاز الاعصاب، في اكس، في مدينة نيوبورت بولاية انديانا في حاويات كبيرة بسعة طن، افرغت عبر تقنية معينة لتحولها الى عناصرها الاولية المكونة، ومن ثم ضخت بداخل مفاعل يخضع لمراقبة محكمة. تم تحليل الغاز المنبعث باضافة محلول من الماء وهيدروكسيد الصوديوم تحت حرارة بلغت 200 درجة فهرنهايت. ثم خضعت الحاويات الفارغة الى عملية غسيل مكثفة لتخليصها من العناصر الملوثة باستخدام تقنية الحرارة العالية.
على الرغم من التوصل الى تحييد العناصر الكيميائية فانها لا تزال بحاجة الى معالجة اضافية. ففي العام 2002، استخدمت الولايات المتحدة تقنية التحييد الموصوفة اتبعتها بتقنية المعالجة البيولوجية للتخلص من نحو 2،611 طنا من عناصر غاز الخردل المعد للقذائف والطلقات في معامل التخلص من الاسلحة في مدينة بويبلو بولاية كولورادو. تقنية المعالجة البيولوجية تستند الى معالجة النفايات العضوية، مخلفات العناصر الكيميائية في هذه الحالة، باستخدام كائنات حية مثل البكتيريا والفطريات او الكائنات وحيدة الخلية – البروتوزوا. من ميزاتها انها "صديقة للبيئة،" وسهلة الاستخدام وذات كلفة متدنية بالنسبة الى خيارات التخلص الاخرى.
تستخدم الولايات المتحدة تقنية نموذجية في معامل التخلص من المكونات الكيميائية، بولاية كنتاكي، باضافة عنصر تأكسد الماء فوق المرحلة الحرجة للتخلص من مكونات غاز الاعصاب والفقاعات التي تدخل في صناعة القذائف الصاروخية. عملية التأكسد تستند الى اخضاع الماء لدرجة عالية من الغليان والضغط تفوق الدرجة الحرجة المحددة البالغة 374 درجة مئوية، 705 درجة فهرنهايت، وقدرة ضغط تعادل 3،205 رطل على البوصة المربعة. عند التوصل لتلك الشروط، يتم التخلص من النفايات الجانبية للمواد الكيميائية الاولية عبر عملية تأكسدها.
كلفة تلك المنشآت المتطورة ليست متدنية. اذ قدرت هيئة المواد الكيميائية التابعة لسلاح الجيش الاميركي، المخولة بالاشراف على عملية التخلص والتدمير، كلفة معالجة 28،364 طنا من الاسلحة الكيميائية (ما يمثل نحو 90% من محمل الترسانة الاميركية) نحو 28 مليار دولار، اي ما يعادل مليون دولار لكل طن. وعليه، تصبح كلفة تخلص سورية من ترسانتها الكيميائية نحو مليار دولار، بمقياس ذلك الزمن.
على الرغم من نجاح جهود الولايات المتحدة في التخلص من معظم ترسانتها الكيميائية، فان ما تبقى منها كلفته باهظة. اذ تقدر هيئة الجيش الاميركي المشرفة على عملية التخلص من الاسلحة ان كلفة التخلص من باقي الترسانة 3،136 طنا، 10%، ستبلغ 10.6 مليار دولار، اي ما يعادل 3 مليون دولار للطن. في الحالة السورية سترتفع كلفة التخلص الى 3 مليار دولار، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار كلفة المنشآت والمعامل الجديدة، يضاف اليها الاعتبارات والاجراءات الأمنية الضرورية لتوفير الحماية مما يضاعف الكلفة مجددا. يذكر ان معامل التخلص من ترسانة البانيا للاسلحة الكيميائية، 16 طنا، تم انشاؤها في المانيا وشحنت المكونات الاولية والمواد بعد التخلص من تلوثها مرة اخرى الى البانيا.
المنظمات والهيئات الدولية ستتحمل قسطا وافرا من الكلفة المادية، في الحالة السورية، ويتوقع ان تتحمل الولايات المتحدة الجزء الاكبر منها. ستواجه عملية انشاء المفاعل والمنشآت والتخلص من الترسانة الكيميائية عقبات لا محالة، مما ينذر بعدم تحقيقها ضمن المدة الزمنية المقترحة، اوسط عام 2014.
القوى المتضررة من الاتفاق الروسي الاميركي تستغل مسألة الكلفة لترويج شكوكها مجددا بأن سورية ليست طرفا فاعلا في هذه الاتفاقية وستسعى لاخفاء بعض ترسانتها من المفتشين الدوليين، مستندة الى تصريح لاول رئيس لوكالة الرقابة على نزع الاسلحة الاميركية، امروم كاتز، بالقول "لم نتوصل لأي شي استطاع الطرف الآخر اخفاءه بنجاح."
حقيقة مخاوف عدم امتثال سورية لشروط الاتفاقية
أعطت الإدارة الاميركية لنفسها الحق "باللجوء الى العمل عسكري ان اخفقت سورية في التخلص من برناج اسلحتها الكيميائي،" وفق نصوص الاتفاق كما تزعم. لو تحققت هذه الفرضية، فان الخيارات العملية تبقى محدودة، وربما محدودة جدا، على الرغم من سعي فرنسا الحثيث لفرض البند السابع من ميثاق الهيئة الاممية على الاتفاق المغاير لذلك، جسده الرفض الروسي الفوري "للاقتراح الفرنسي لمجلس الأمن،" حتى قبل الاطلاع على نصوص ما تدعيه.
إمكانية استخدام سورية الفعلي للأسلحة الكيميائية هو الفرضية الحقيقية التي ستستدعي تحركا دوليا مغايرا على مستوى مجلس الأمن الدولي، وهو امر مستبعد. على الرغم من الحدة العالية للخطاب السياسي الاميركي، فان الولايات المتحدة "سترد من داخل نطاق مجلس الأمن الدولي،" كما صرح بذلك وزير الخارجية جون كيري. الامر الذي يعني ان آلية التحقق من امتثال سورية واصدار قرار مواز سيبقى تحت اشراف "منظمة حظر انتشار الاسلحة الكيميائية،" بالاشتراك مع مجلس الأمن، سيما وان المنظمة ليست ذراعا مباشرا من اذرع الامم المتحدة. عند توصل المجلس التنفيذي للمنظمة لدلائل تشير الى انتهاكات لميثاقها، "يتعين عليها اعلام الجمعية العمومية للأمم المتحدة مباشرة ومجلس الأمن الدولي بذلك."
أما اخضاع سورية لاجراءات عقابية نظرا لابطائها في آليات التنفيذ فانه امر غير قابل للتحقيق، سيما وان الدولتين الكبريين خالفتا نصوص الميثاق واخفقتا في الامتثال للمدة الزمنية المحددة للتخلص من ترسانتهما.
عند التدقيق في التصريحات الرسمية الاميركية وتحليل مغزاها نتوصل الى نتيجة مفادها ان تظاهر الولايات المتحدة بالصرامة والحدة والعزم على التدخل ليس هناك ما يدعمه من ادلة. على سبيل المثال، رفضت نائب الناطق الرسمي باسم الخارجية الاميركية، ماري هارف، توصيف عدم امتثال سورية بالكامل بانه "امر غير مقبول،" موضحة ان اخفاق سورية في تسليم ملف كامل ومفصل لاسلحتها الكيميائية سيندرج تحت توصيف "عدم الامتثال" للاتفاق. واستدركت بالقول انها "تأبى استخدام توصيف مقبول او غير مقبول." يذكر في هذا الصدد استمرار حملة داخل اروقة مجلس الشيوخ لتمرير مشروع قرار بصياغات مختلفة يخول الولايات المتحدة "الحق في شن اعتداء" على سورية "اذا ارتأت الادارة ان تجاوب النظام غير مقبول" حتى في غياب تفويض من الامم المتحدة.
من المسلم به، استنادا الى موازين القوى الداخلية والمعطيات الميدانية، ان ادارة الرئيس اوباما سعت جاهدة لاستغلال حادث الهجوم الكيميائي في غوطة دمشق ذريعة لتغيير ميزان القوى على الارض في سورية طمعا في توفير التفوق العسكري والسياسي "لاسرائيل" في المنطقة وبسط الهيمنة الاميركية رغم تقهقرها على المستوى العالمي.
يبقى ان التعامل مع نزع سلاح سورية الكيميائي سيدفع الى الواجهة البحث الجدي بموضوع لاتزال أميركا وحلفائها يمارسون أشد انواع النفاق والتغاضي والمتعلق بقرار سابق لمجلس الامن ومساعي مزمنة لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.. ولن يكون بمقدور الكيان الصهيوني الاستمرار وبتغطية أميركية فاضحة التهرب من طرح منشآتها وترسانتها من هذه الاسلحة وخاصة النووية على بساط البحث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.