قد يبارك الكونجرس طبخة أوباما المسمومة التي ستمزق أحشاء المنطقة عنفًا وارهابًا ودمارا، وربما يشارك نوابه (حميرا وأفيالا) في جريمة تمرير العدوان على سوريا تحت أستار قناع ديمقراطي زائف، مضرمين النيران في إخفاقات رئيسهم وفشل مؤامراته وألاعيب ذيوله أمام صمود الجيش والدولة السورية، وقد تكون المفاجأة هي العنوان ولا يتجاسر الأمريكي على إصدار هذا القرار مرتطما بمفاجت اللحظة الأخيرة أو يائسا من تعقيدات المنطقة وتوازناتها الاستراتيجية، ليطفا الموقد على تلك الطبخة المسمومة في تبريد مفاجئ للأزمة، ويبرر فشل المسعى وخيبة الرهانان وكما ربة البيت المبتدئة في فنون الطبخ بحجج واهية لا يقبلها عقل طفل ولا يمررها ذهن فطين، ربما هذا السيناريو أو ربما ذاك.. ففي المزاد الاميركي وأمام رفع درجة حرارة التوتر وشد أعصاب العالم يبقى كلا الخيارين قائما ، لكن أيا كان الفعل الاميركي ونتاج حراكه التحريضي عدوانا أو جلوسا بالبيت، فإنه سيترجم وبلا شك إفلاسا سياسيا وسقوطا أخلاقيا، لرئيس وإدارة أميركية قدمت نفسها تحت مظلة التغيير، لكن اشتباكات الأيام وتفاعلات "الربيع العربي" المزعوم كشفت أنه تغيير على مقاس المشاريع الامريكية في المنطقة. الحقيقة الواحدة الماثلة للعيان أن تفاعلات الحراك الامريكي المحموم منذ هجوم الغوطة، لم تخرج عن النص في سمت حملات العلاقات العامة الممنهجة والمدعومة بأدوات البروباجندا العالمية والكذب الاستخباراتي التي قادها أوباما وأركان إدارته للتسويق لإسقاط سوريا واستلاب مقدراتها، فبدا وكأن ساعة الامريكي تغامر بكسر نواميس الكون وإعادة العقارب إلى الوراء وقت مؤامرة بوش الابن على العراق، حتى بات مما لا يقبل الجدل أو النقاش بأنها تراكمات حكم القدر على وريث جيني وسلسال أصيل لوديعة أمريكية إرهابية مدمرة، بدأت منذ تربع واشنطن على قمة الهيمنة الاستعمارية في الغرب على أنقاض هيروشيما وناجازاكي، ثم توالت النكبات والكوارث التي خلفتها آلة الحرب الاميركية حتى لحظتنا تلك، فكان منطقيا أن تأتي مراوحة اختيارات أوباما من أحشاء تاريخ لا أخلاقي وسفح جبال مؤامرات عتيد. هو، بلا شك، الطبع الاستعماري الاميركي الذي لا يمتلك شجاعة التمرد على التطبع، فاضحًا بأعراضه المميتة هواية تاريخية ومُجربة تسري في دم الامريكي سريان الزيت في الزيتون، ومسجلا براءة اختراع أميركي أصيل لماكينة صناعة الوهم وتسويق الأكاذيب واختلاق الحيل .. رصيد أو قل سجل أسود ممتد يجد له نظريات تبرر واستخبارات تلفق وأكاذيب تٌرَوج واعلام يهلل وسماسرة إقليميون يمولون، فبدءا من فيتنام (19641975)، مرورا بجرينادا (1983)، ثم بنما (1989)، والصومال، (1993)، والبوسنة (1992 1995)، ويوغوسلافيا (1999)، وصولا إلى أفغانستان (2001)، والعراق (2003) وفنزويلا الإكوادور (2008)، وفي كل منازلة للأمريكي كان التمهيد النيراني الإعلامي والخداع المعلوماتي الاستخباراتي قاسما مشتركا لتغطية جريمة سبق فيها السيف العذل، ليكتشف بعد كل نزوة استعمارية جديدة (وبعد فوات الأوان) أن معلوماتها وأسانيدها كانت نصبا وتضليلا، وفيما ينفرط العقد بشلالات دماء وجرائم ممنهجة ضد الإنسانية، يجتر العالم مرارة الألم وكأن رقاب البشر لقمة سائغة على أسنة رماح التتار الجدد، أو أن مصائر الخلق معلقة بين طرفي أصابع الامريكي يحركها متى وكيف شاء. إن تلك المتواليات الاستعمارية والتي ربما يكون العدوان أو مجرد التلويح به على سوريا إحدى حلقاتها وليس آخرها، تثبت بالدليل القاطع أن هذا الجسد الاميركي الضخم المهيمن ذا العقلية الاستعمارية الكلاسيكية صار عبئا على نفسه، قبل أن يكون عبئا على آخرين أعيتهم نزواته وشطحاته الاستعمارية، فكان أن ناء هذا الجسد الكاسح عن حمل هذا الرأس الكسيح العقيم، فلم يستطع الصمود أمام شهوة القتل ليعود ورغم فواتير أدوات التجميل وإعادة غسيل الوجه إلى ممارسة هوايته القديمة في التدمير والخراب والتآمر، فيما تتعقد المعادلة وتتعمق الجراح بأيدي طابور عربي خامس يقدم للاستعمار مبررات وللقتل مسوغات وللبلطجي أجر جرائمه. على أية حال، فما من شك أن حملات العلاقات العامة الامريكية التي بدأت منذ أكثر من شهر، والتي لم تؤتِ النتائج التي ترضي المزاج الامريكي، بل وولدت مزيدا من الانقسامات والجدل في معسكر الحلفاء الجدد حول جدوى هذا العدوان ونتائجه، خاصة مع تغييب دور الشرعية الدولية (المغيب في الأساس)، لهي أصح إشارة دالة على حجم هذا العبء الاستراتيجي الثقيل الذي ناءت به الأرض وضاقت به السماء، خاصة مع وصول أدوات القوة إلى نقطة الصفر التي فقدت أمامها أدوات المراجعة أو النقد أو التصحيح فرصا حقيقية، بعدما أسقط الرأس الاستعماري الكاسح وللأبد فرص العودة للصواب السياسي والاتزان الأخلاقي، فبدت أمريكا مجددا ك(ثور في معرض الخزف)، بما يغلق أبواب الاختيار للتعامل معه إلا برصاصة رحمة تقي العالم ونفسه من شروره، وظني أن رصاصة الرحمة تلك ستكون انتحارا ذاتيا بطريقة دراماتيكية، وربما تكون سوريا هي مقبرة (هتلر الربيع العربي). [email protected]