انتيجونا، ابتدأت بالموت وانتهت بالموت، بجثتين هامدتين، ذاهبتين إلى العالم السفلي، حاولت أن أشاهد المسرحية واجردها من أبعادها وفلسفتها، فإذا بها تعصف ني في كثير من الأحيان، هل موسيقى الثلاثي جبران هي السبب وراء ذلك، تلك النغمات التي تتغلغل إلى داخلنا قبل أن تصب في أذاننا، تشدنا إلى عالم أخر، مع كل نقرة على الوتر، أم انه ذلك المشهد الذي ابتدأت به المسرحية؟ فالبياض التي التفت به تلك الجثتان طغى على المسرح، قابله السواد الذي لبسته الأختين، وراحتا تولولان وتنوحان نواح المكلومين، حركات توافقت مع الموسيقى، بالنسبة لي هذا مشهد نراه كل حين، في فلسطين وفي معظم الوطن العربي الآن. أنعاقب الموتى؟ أحقا لنا القدرة أن نعاقب أنسانا ما بعد موته على أخطائه التي اقترفها، هل يتساوى الموتى ساعة الموت؟ هل تتساوى الحقيقة مع الخداع؟ بل هل يتساوى القاتل والمقتول في تلك اللحظة؟ هل نصل إلى حد أن نسامح قاتلنا ونحبه؟ هل نقبل بالظلم والقمع والإجراءات التعسفية ونعتبرها حكم القوي على الضعيف؟ أنقتل أنفسنا من أجل قضية؟، أجل، لقد اثبت بوعزيزي في تونس بأنه إن وصل الحد بنا، نقتل أنفسنا لنعلن أن الظلم لا بد أن تكون له نهاية. تلك كانت نقاط أساسية طرحتها هذه المسرحية التي كانت تحاكي واقعنا الحالي، بكل مجرياته. ممثلوها فلسطينيون، رافقتهم موسيقى الثلاثي جبران، وتخللها صوت محمود درويش يلقي قصيدته “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، والتي ملأت المسرح صمتا وسكونا يحتفي بهذا الشاعر الذي عبر بقصائده عن روحنا المتعلقة بوطننا، يخبرنا أن الحياة تولد من الموت، وعلى الأرض ما يستحق الحياة، وخساراتنا ما هي إلا انطلاقة لأجيال قادمة تستقي دروسها من ماضينا. بالرغم بان سوفوكليس الكاتب اليوناني، قد كتب هذه المسرحية قبل 2500 سنة، إلا أن رؤية المخرج عادل حكيم بأن جمع بين كلمات سوفوكليس وكلمات محمود درويش ، ورؤيته أن هذه المسرحية ما هي إلا تجسيدا للواقع الفلسطيني من معاناة ونضال من أجل الحقوق، وقولبتها في نسق وضع الممثلين في زي حديث، ليتقابل بذلك الزمانان ويقر بان التاريخ يعيد نفسه، وان النفس البشرية هي ذاتها مهما اختلفت معتقداتها، وأسلوب حياتها، أن الظلم والقهر وتبعاته هي ذاتها حتى في الأساطير، حتى في أحلامنا، في واقعنا، وأن النهاية وخيمة على من يمارس الظلم، وهكذا يستمر الصراع. المسرحية تستحق المشاهدة.