ليوم كامل أحاول استيعاب ما حدث بالأمس..عندما وصلني من زملاء صحفيين أن الأمن بدأ في إطلاق قنابل مسيلة للدموع ضد المتظاهرين المحيطين بالسفارة الإسرائيلية بعد محاولات لاقتحام السفارة ..كان السؤال الذي قفز إلى ذهني كيف؟ وهو ما دفعنا لتعطيل رفع الخبر على الموقع لبعض الوقت ثم قررنا نشره بعد أن تواترت الأخبار على العديد من المواقع الأخرى تحمل نفس المعنى لكن مع ضبط للصياغة .. كان تصوري أن جانبا من المشهد حدث لكن مع عدم ضبط للنقل واتفقنا أنا وزملائنا في البديل بعد نقاش حول النشر انه لا يمكن لأحد أن يقتحم سفارة في الدور الثاني عشر محمية بكل التأمينات وكان التصور الذي رأيناه منطقيا أنه ربما جرت محاولة للاقتراب من محيط عمارة السفارة اعتبرها البعض محاولة للاقتحام واتفقنا أن تكون الصياغة أن متظاهرين حاولوا اقتحام المنطقة المحيطة بعمارة السفارة خاصة بعد أن زاد تواتر الأخبار تحمل نفس المعنى .. ولكن مع طلوع النهار كان مشهدا أخر قد بدأ يتكون وأسئلة منطقية لابد من إعادة طرحها .. وشهادات تضيف أبعاد جديدة لما تم نقله بالأمس وبواجب مهني قبل أن يكون حس وطني خائف على ثورة صنعناها كلنا سويا ودفع ثمنها أكثر من 865 شهيدا وآلاف المصابين وقبل أن نفاجأ بإعادة تكرار مشهد جمعة الغضب كان لابد من وقفة .. هذه الوقفة صاغها الزميل والمدون تامر موافي على مدونته بداية تحت عنوان ” نكبة السفارة ” ووجدته يعبر عن كثير من المخاوف التي تدور داخل عدد كبير منا فأرسلت أستأذنه في نشرها خاصة وأنها تعيد تصويب صورة لابد من تصويبها وتطرح أسئلة ارى ضرورة طرحها الأن فليسمح لي تامر بإعادة نشر ما كتبه كبداية لنقاش عام أراه ضروريا وعبر عنه تامر بتساؤلات لابد من الإجابة عليها.. فماذا قال تامر ؟ دعنا أولا نقرر حقيقة ليست موضع أى نقاش وهى أن إطلاق الرصاص على أى إنسان أعزل فى أى مكان فى العالم هو جريمة فإذا كان هذا الإنسان مصريا أطلق عليه الرصاص مصرى آخر على أرض مصر فالجريمة أكثر بشاعة .. فإذا كنت ممن يبحثون عن أى مبرر يقلل من بشاعة هذه الجريمة أو ينفى عنها صفة الجرم فى الأساس فإعلم أن حديثى ليس موجها إليك لأننى لا أوجه حديثى أصلا إلى من إنتفت عنهم صفة الإنسانية من الآدميين. و دعنى ثانيا أرجئ مضطرا الخوض فى الحديث عن جدوى التظاهر أمام سفارة الكيان الصهيونى أو جدوى الإنشغال بالقضية الفلسطينية فى هذا الوقت و هل هو يفيد الثورة المصرية أو يضعفها إلخ .. كان مثل هذا الحديث هام فقط لولا أن دماءا أريقت و أكاذيب أهيلت كالتراب عليها لإخفائها فأصبح من الخيانة لهذه الدماء أن ألتفت إلى أى حديث آخر سوى تبرئة أصحابها مما يراد إلصاقه بهم من إتهامات تحولهم من ضحايا إلى معتدين و تسوغ بالتالى للمجرم الحقيقى جريمته و تبرئه منها. الأكذوبة المركزية فى فضيحة تفريق المظاهرة أمام السفارة تتعلق بما تروجه وسائل الإعلام عن محاولة المتظاهرين إقتحام السفارة .. هذه الدعوى الساذجة لا يطلقها إلا جاهل أو غبى أو مغرض .. جاهل لا يعلم أن السفارة المعنية هى شقة فى أحد الطوابق العلوية لبناية يسد مدخلها عدد من مدرعات الجيش و يصطف على بابها جنوده ولا سبيل إلى الوصول إلى هذه الشقة إن إنت عبرت خلال المدخل و الباب إلا عبر مصاعد لا تفتح أبوابها إلا ببطاقات إلكترونية أو عبر سلم تعترضه بوابات حديدية .. غبى من يعلم بهذه التفاصيل ثم يتصور أن فكرة إقتحام تلك السفارة أمر ممكن بحيث يعد خطرا ينبغى التعامل الحازم معه إلى حد إستخدام أى قدر من القوة .. ومغرض بكل تأكيد من لم يكن غبيا ليظن الإقتحام المزعوم ممكنا ثم يصر على ترديد هذا الزعم فهو فى هذه الحالة يردد أكذوبة لا غرض منها إلا تبرير قتل المصريين بدم بارد. لم يكن ثمة خشية من أن يتم إقتحام سفارة الصهاينة فى القاهرة و بالتالى فلا مبرر هناك لإستخدام القوة فى تفريق المتظاهرين و لا داعى أصلا لتفريقهم فلماذا حدث ما حدث؟ يجمع الشهود على أن التظاهرة كانت سلمية طوال إنفراد قوات الجيش بالتعامل مع الموقف .. ثم ظهرت قوات الأمن المركزى و بدأت التعامل فورا مع المتظاهرين بإمطارهم بوابل من القنابل المسيلة للدموع أصاب أعدادا كبيرة منهم بالإختناق إلى حد الإضطرار إلى نقل بعضهم إلى المستشفيات القريبة لعلاجهم.. و لكن هذه كانت البداية فقط فقد تبع إستخدام القنابل المسيلة للدموع إستخدام الرصاص المطاطى ثم الرصاص الحى فى مشهد يعيد مذبحة يوم جمعة الغضب. ما حدث كان عملية إنتقامية من قبل قوات الشرطة المصرية .. يؤكد ذلك أن قائد الهجوم هو مدير أمن منقول يحاكم حاليا بتهمة قتل شهداء الثورة وهو أمر يعيد طرح ذلك السؤال العبثى .. كيف نسلم أمننا إلى متهمين يحاكمون أمام القضاء بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام ؟.. هؤلاء بدلا من أن يحبسوا على ذمة المحاكمة أو يعزلوا و لو حتى مؤقتا عن مناصبهم حتى تنتهى محاكمتهم تركوا مطلقى السراح فى شوارعنا يمارسون وظائف لها نفوذ يصل إلى قيادة قوات مسلحة ضد متظاهرين من الثوار الذين كانوا سببا فى تورطهم فى المحاكمات من الأساس! أى عاقل يمكنه تصور أن يمارس أمثال هؤلاء ضبط النفس فى مواجهة المتظاهرين أو يراعوا القانون فى تأمين مظاهرة؟ .. ثم أى عاقل يصدق أنه فى موقف يستحيل فيه أن يشكل المتظاهرون تهديدا حقيقيا أو متخيلا على المنشأة المراد حمايتها يكون علينا أن نقبل إدعاء رجال أمن موتورون بأن إختيارهم لإستخدام القوة المفرطة فى مواجهة المتظاهرين كان مبررا؟ ما نحن بإزائه هنا هو جريمة متعمدة ..الدافع واضح لا لبس فيه ..الظروف التخفيفية لا يسندها أى منطق يقبله طفل رضيع.. الجناة معتادوا قتل و ترويع ومجرد وجودهم فى الشارع أمر يستدعى التحقيق فى ملابساته أما أن تتوافر لهم أدوات القتل ويشرع لهم التصريح به فهى جريمة أخرى فى حد ذاتها. لا أدرى إن كان المجلس العسكرى قد أصدر بيانا بخصوص أحداث ليلة ذكرى النكبة الدامية أو إن كان ينوى إصدار مثل هذا البيان و لكن فى كل الحالات لدى المجلس الكثير ليوضحه .. بداية من الحديث المكرر عن تعافى الشرطة من كبوتها والذى على أساسه نطالب بتحمل الكثير من مظاهر غياب الأمن عن شوارعنا وعلى أساسه أيضا كان علينا أن نقبل أن هذه الشرطة المهيضة الجناح لم يكن بإمكانها منع كارثة إمبابة فى تلك الساعات الطوال التى سبقت الإشتباكات و لم يكن مطلوبا سوى تفريق مظاهرة من مائة سلفى أمام كنيسة .. ثم ها نحن نرى الشرطة فى كامل عنفوانها تتدخل لفض مظاهرة من مئات بإستخدام كامل قوتها لكن فقط لأن هؤلاء هذه المرة كانوا يتظاهرون أمام سفارة اسرائيل .. مع العلم بأن التهديد للسفارة كان مستحيلا بينما الخطر على الكنيسة أو خطر نشوب إشتباك طائفى كان فى حكم المؤكد. لدى المجلس العسكرى الكثير ليوضحه بخصوص سماحه بهذا التعامل الإجرامى مع المظاهرة وعلاقة هذا بزيارة وفد صهيونى رفيع المستوى إلى القاهرة ثم ربما أيضا علاقة هذا كله بالإزاحة المفاجئة للسفير نبيل العربى من قيادة الدبلوماسية المصرية إلى ثلاجة جامعة الأنظمة العربية. لدى المجلس العسكرى الكثير ليوضحه قبل أى شيئ آخر بخصوص إحترامه لدماء المصريين و كرامتهم و حقوقهم التى من أجلها قامت ثورتهم فى الخامس والعشرين من يناير ، الثورة التى لا يمل المجلس من تذكيرنا بأنه حاميها و راعيها بل يلمح أحيانا بأنه شريك فيها! و لكن قبل أن يوضح المجلس ما قد يختار إيضاحه فإنه مطالب بفتح تحقيق علنى و شفاف فى أحداث أريقت فيها دماء المصريين و عرضت حياتهم للخطر و عليه بكل تأكيد إطلاق سراح من أعتقلوا و هم يفرون من نيران الأمن المركزى. كلمة أخيرة لكل من إختار أن يبرر أو أن يلصق التهم بالمتظاهرين العزل .. أنتم عار وعورة فإستتروا بالصمت خير لكم. إلى هنا تنتهي شهادة تامر موافي ..لكن تظل الأسئلة التي طرحها تحتاج لإجابات حقيقية وسريعة خاصة في ظل إحساس بدأ يتسرب للعديدين أن شبح ما خرجنا لإسقاطه عاد يطل علينا من جديد في شكل سياسات تعيد إنتاج ما فات.. فأخطر ما يحيق بالثورة من مخاطر هو إعادة إنتاج الماضي بسياساته حتى لو تغيرت الوجوه أو ارتدى البعض أقنعة الثورة.