منذ زمن بعيد لم أسافر وحدي ، دائما يصطحبني بسيارته ، أظل واجمة صامتة تتعلق عيناي بالسماء وهى تمرق أمامي وأطل برأسي لترتوي عيناي من فيض الخضرة على جانبي الطريق ، الطريق طويل وممتد ، أتعجل الوصول للميدان الذي حلمت بالوقوف وسطه وبيدي لافتة صغيرة ، حروفها مبعثرة على استحياء : عفوا أريد الحرية أخبئها جيدا بين طيات ملابسي وأتحسسها وأنا أرى شبابا ثائرين ، تزأر حناجرهم بمطلب الحرية والعدالة ، أرى أناسا يجلسون القرفصاء عن يميني وعن شمالي ، ملامحهم طيبة ووقورة أيضا ، ملامحهم تشي بالسمرة والنقاء والفقر الشديد أيضا ، الباعة الجائلون يتناوبون على إعطائهم بعض السميط والدقة ، رأيت كل هذا وصراخه يخترقني ، يهب في الحشود المتحلقة حول سيارته أن ينصرفوا حتى يستطيع اللحاق بالموظفين بالدور الخامس بمبنى التحرير . ألححت عليه إن يصطحبني نزور أختي بشبرا وقد تاقت نفسي لرؤيتها هي وأولادها الخمسة ، ينظر إلى شذرا والى بطني . أدرك ساعتها اننى امرأة عقيم ولا يحل لي أن احلم . غير اننى حلمت وأنا جالسة أرى الوجوه تزدحم حولنا وقد كسروا زجاج السيارة وأخرجوني وزرعوني وسطهم ، لم استحى أن اخرج يافطتي التي تخصني وهتفت : أريد حريتي ، ضاعت ملامحي وسطهم وتذكرت نداهة إدريس حينما تركت يد حامد وهامت وحدها بشوارع القاهرة وقد حلمت أن تكون ممرضة أو عاملة بمصنع نسيج أو أي شيء آخر سوى أن تكون زوجته فقط وتعود لبلدها مكللة بالعار. الآن اشعر اننى لست مكللة بعار العقم ، أو اننى امرأة ناقصة ، سوف اهتف كما يفعل هؤلاء لأسترد حريتي ، سأجلس مثلهم على الإسفلت وأداعب الدبابات مثلهم وابتسم ملوحة بشارة النصر ، سوف افعل ما هو أكثر ، سأتركه وحيدا ، وستقتله الوحدة . يده الغليظة تهزني كي أفيق من حلمي وأساعده في الصراخ على أناس أن يبتعدوا ، نظرت إليه طويلا و هو يصرخ ، شفتاه تختلجان بعصبية والزبد حول فمه كريها منفرا . وضعت يدي على الباب وبقوة فتحته وخرجت دون أن التفت للوراء مددت يدي وأخرجت ما يخصني : يافطتي التي كتبتها بيدي ورفعت ذراعي بقوة وشجاعة وهتفت : الحرية ..الحرية