حطمت ثورة يناير النظام ،وقضت على مشروع التوريث ، الذي لو قدر له أن يرى النور لكان وصمة عار لا تمحى في تاريخ مصر، الذي تعاملت أسرة مبارك معها على أنها إرث توارثوه عن آبائهم وأجدادهم وإذا كانت الثورة قد نجحت في القضاء على التوريث في قمة الدولة فإنها مطالبة بالقضاء على التوريث الذي استشرى في كافة الميادين في ربوع مصر في ظل النظام البائد وعدم الاعتراف به والخضوع له ، لقد استشرت المطالب الفئوية من خلال الاعتصامات والإضرابات ،وهى في مجملها مطالب مشروعة وإن كان الوقت غير مناسب لها ، والأولى الانتظار قليلا – ونحن الذين انتظرنا طويلا – حتى تهدأ الأمور، ويتم التعامل مع تلال المشاكل التي خلفها النظام السابق ،وحتى لا ينتهز أذناب النظام السابق الفرصة لركوب الموجة وإشاعة الفوضى ووضع العراقيل في وجه الثورة ومع ذلك فقد استجابت الدولة لبعض المطالب العادلة التي يمكن تحقيقها مثل تحسين الوضع المالي وظروف العمل لبعض الفئات ،وهو أمر جيد أن تستجيب الدولة للمطالب المشروعة ، ولكن الأمر الذي لا يمكن إقراره والموافقة عليه هو الإقرار بمبدأ التوريث في الوظائف ، والموافقة على تعيين الأبناء في المصالح التي يعمل بها آبائهم ،وهو نوع من التوريث المقنن فيما يعرف ب ”أبناء العاملين ” وهو مصطلح سيء السمعة يضرب مبدأ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في مقتل فيصبح مسوغ التعيين للمتقدم للوظيفة في مصلحة من المصالح أن والده يعمل بهذه المصلحة ، فماذا عن المتقدم للوظيفة المستحق لها وشاء قدره أن والده لا يعمل بها ، أو لا يشغل أي وظيفة على الإطلاق ،هل يعاقب لأن والده لا يعمل بهذه المصلحة التي رفعت لواء التوريث ، وماذا يفعل ؟ هل يذهب ليلقى بنفسه في النيل كما فعل منذ سنوات الشاب عبد الحميد شتا بعد أن استبعد من وظيفة ملحق تجارى بوزارة الخارجية بحجة أنه غير لائق اجتماعيا !!! والغريب أن يقنن هذا الوضع الخاطئ في إعلانات الوظائف ويعلن فيها أن الأولوية لأبناء العاملين ويخرج البعض للدفاع عن هذا المبدأ الخاطئ بمبررات لا تستحق حتى مجرد المناقشة ،ولكن يبقى التساؤل إذا كانوا مقتنعين حقا بهذا المبدأ فلماذا لا يعمم على كل المصالح الحكومية من باب المساواة ولماذا اقتصر على المصالح ذات الدخول المرتفعة فقط وحرم منه أبناء العاملين بالمصالح ذات الدخول المنخفضة ؟!! وهناك نوع آخر من التوريث أشد وأنكي وأصبح من التقاليد الراسخة ، وهو أشد خطورة من النوع السابق لأنه يغلق الباب تماما أمام معظم فئات الشعب للوصول إلى بعض الوظائف وبصورة أكثر تحديدا في مجال الشرطة والنيابة حيث الحصة الأكبر لأبناء الضباط والمستشارين ،والبقية لأبناء أصحاب السلطة والنفوذ والمال ، ولا عزاء لأبناء الشعب من الغلابة والكادحين (وبلاش مصطلح محدودي الدخل اللي اتهروا من اهتمام الرئيس السابق بهم !!! ) فالطريق مغلق ، وحتى على فرض –وهذا مستبعد – أن أفلت من الواسطة فلم يكن يفلت من تقارير دولة أمن النظام الراحل وهناك الجامعة وتعيين بعض أبناء الأساتذة كمعيدين بدون وجه حق وبصورة استفزازية أحيانا ، وإن كانت الجامعة أقل حده – وهذا ليس مجاملة لأني عضو هيئة تدريس – من الشرطة والنيابة حيث لا يزال هناك متسع أمام المتفوقين في الجامعة ،وتكاد التجاوزات -وهى مرفوضة في كل الأحوال – تقتصر على كليات بعينها وبصفة خاصة كلية الطب وفى كل الأحوال فإن كل صور التوريث – مهما كان حجمها – مرفوضة ويجب على الحكومة أن تضع في أولوياتها هذه القضية ، وأن تعمل على وضع قواعد محددة وواضحة للتعيين تحقق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص للجميع دون تمييز لأي سبب من الأسباب ، ولهذا يجب أن يظل شعار لا للتوريث مرفوعا حتى تسقط كل مظاهر التوريث كما سقط الوريث مدرس التاريخ الحديث والمعاصر كلية التربية – جامعة دمنهور